للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن سابق قضاء الله وقدره فيهم أنهم لا يؤمنون، فوافق دعاء موسى ما قدر وقضى عليهم؛ أي: واطبع (١) على قلوبهم وزدها قسوة على قسوتها، وإصرارًا وعنادًا فيستحقوا شديد عقابك، ولا يؤمنوا إلا إذا رأوا عذابك، ولا ينفعهم إيمانهم إذ ذاك.

وسبب غضبة موسى: أنه عرض عليهم آيات الله وبيناته عرضًا مكررًا، وردد عليهم المواعظ والنصائح، ردحًا من الزمن، وحذرهم عذاب الله وانتقامه، وأنذرهم عاقبة ما هم عليه من الكفر والضلال المبين، ثم لم يزدهم ذلك إلا كفرًا وعتوًا واستكبارًا في الأرض، ولم يبق له مطمع فيهم، وعلم بالاختبار أنه لا يكون منهم إلا الضلال، وأن إيمانهم كالمحال، فاشتد عليهم ومقتهم ودعا عليهم بما علم أنه لا يكون غيره، إذ لم يبق له فيهم حيلة، وأنهم لا يستأهلون إلا أن يخذلوا، ويخلى بينهم وبين ضلالهم يتسكعون فيه، ويسيرون قُدُمًا في طريق الغي والهلاك.

وخلاصة ذلك: كأنه قيل: فليثبتوا على ضلالهم، وليطبع الله على قلوبهم، فلا يؤمنوا وما عليّ منهم، هم أهل لذلك وأحق به، وما مثله إلا مثل قول الأب المشفق على ولده، الذي انحرف عن جادة الاستقامة، ولم يقبل منه نصيحة: فلتمض في غوايتك، ولتعث في الأرض فسادًا وهو لا يريد غوايته بل حردًا وغضبًا.

٨٩ - وقد روي أن موسى دعا بهذا الدعاء، وهارون، عليه السلام، كان يؤمّن على دعاء أخيه ومن ثم قال تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}؛ أي: قال (٢) الله سبحانه وتعالى لموسى وهارون: قد قبلت دعوتكما. في فرعون وملئه وأموالهم، فموسى كان يدعو وهارون كان يؤمن، والتأمين دعاء، وحصل المدعو به، بعد أربعين سنة؛ لأن فرعون لبث بعد هذا الدعاء أربعين سنة. وقرأ ابن السميقع: {قد أجبت دعوتكما} خبرًا عن الله تعالى، ونصب دعوة. وقرأ الربيع: {قد


(١) المراغي.
(٢) المراح.