للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من قبلهما معًا، أو لا يحصل الخوف من قبل واحد منهما، فإن كان الخوف من قبل المرأة بأن تكون ناشزة مبغضة للزوج .. فيحل له أخذ المال منها، وإن كان من قبل الزوج فقط بأن يضربها ويؤذيها حتى تلتزم الفداء .. فهذا المال حرام، كما إذا كان حاصلًا من قبلهما معًا، فذلك المال حرام أيضًا، وإن لم يحصل الخوف من قبل واحد منهما .. فقال أكثر المجتهدين: إن هذا الخلع جائز، والمال المأخوذ حلال، وقال قوم: إنه حرام.

{تِلْكَ} الأحكام المذكورة من قوله: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} إلى هنا {حُدُودُ اللهِ}؛ أي: ما حدد الله وشرعه، وبينه لعباده في النكاح واليمين والإيلاء والعدة والطلاق والخلع، وغير ذلك {فَلَا تَعْتَدُوهَا}؛ أي: فلا تجاوزوها بالمخالفة إلى ما نهى الله تعالى لكم عنه {وَمَنْ يَتَعَدَّ}؛ أي: يتجاوز {حُدُودَ اللهِ}؛ أي: أحكام الله إلى ما نهى الله عنه {فَأُولَئِكَ} المعتدون {هُمُ الظَّالِمُونَ} أنفسهم، والضارون لها بتعريضها لسخط الله، والظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه.

٢٣٠ - ثم رجع إلى قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}، فقال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا}؛ أي: الطلقة الثالثة التي ذكرها سبحانه بقوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} بعد الطلقتين، فكأنه قال: فإن (١) سرحها التسريحة الثالثة الباقية من عدد الطلاق، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك، وغيرهم؛ أي: فإن وقع منه ذلك .. فقد حرمت عليه بالتثليث {فَلَا تَحِلُّ} تلك المطلقة {لَهُ}؛ أي: لمطلقها ثلاثًا {مِنْ بَعْدُ}؛ أي: من بعد التطليقة الثالثة {حَتَّى تَنْكِحَ}؛ أي: حتى تتزوج {زَوْجًا غَيْرَهُ}؛ أي: غير الأول بعد انقضاء عدتها من الأول، ويطأها الزوج الثاني، ويطلقها الثاني، وتنقضي عدتها من الثاني، وقد أخذ (٢) بظاهر الآية سعيد بن المسيب ومن وافقه، فقالوا: يكفي مجرد العقد؛ لأنه المراد بقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}. وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أنه لا بد مع العقد من الوطء؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من اعتبار ذلك، وهو زيادة يتعين قبولها، ولعله لم يبلغ سعيد بن المسيب ومن تابعه.


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.