للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وخلاصة ذلك: أنه إن ينزل بكم عذابه، لستم بفائتيه سبحانه بهرب أو امتناع، بل أنتم في قبضته وسلطانه إذا أراد فعل ذلك بكم، فاتقوه في أنفسكم أن يحل بكم غضبه. وقرأ (١) الأعمش: {إنه الحق}. قال الزمخشري: وهو أدخل في الاستهزاء، لتضمنه معنى التعريض، بأنه باطل، وذلك أن اللام للجنس، فكأنه قيل: أهو الحق لا الباطل، أو أهو الذي سميتموه الحق، انتهى.

٥٤ - ثم ذكر ما في هذا اليوم من الأهوال فقال: {وَلَوْ} ثبت {أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} وكفرت بالله {مَا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: جميع ما في الأرض من أنواع الملك، وصنوف النعم، وأمكنها أن تجعله فداء لها من ذلك العذاب الأليم الذي تعانيه {لَافْتَدَتْ بِهِ}؛ أي لعادت وأنقذت بما في الأرض نفسها، من عذاب الله تعالى، ولم تدخر منه شيئًا {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ}؛ أي: وأسر أولئك الذين ظلموا غمهم وأسفهم على ما فعلوا من الظلم {لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} بأبصارهم؛ أي: حين معاينة العذاب بأبصارهم إذا برزت لهم نار جهنم، وأيقنوا أنهم مواقعوها لا مصرف لهم عنها، فما مثلهم إلا مثل من يقدم للصلب، يثقله ما نزل به من الخطب الجلل، ويغلب عليه الحزن الفادح، فيخرسه، ولا يستطيع أن ينطق ببنت شفة، ويبقى جامدًا مبهوتًا لا حراك به.

ثم بين أنه لا ظلم اليوم فقال: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم}؛ أي: بين الظالمين وغيرهم {بالقسط}، أي: بالعدل {وَهُمْ}؛ أي: والحال أن الظالمين {لَا يُظلَمُونَ} فيما فعل بهم من العذاب؛ أي: وقضى الله سبحانه وتعالى، وحكم بين الظالمين وبين خصومهم بالحق والعدل، وخصومهم هم، الرسل والمؤمنون بهم، وكذلك من أضلوهم وظلموهم، من المرؤوسين، والضعفاء الذين كانوا يغرونهم بالكفر، ويصدونهم عن الإيمان.

وجاء في معنى هذه الآية قوله في سورة سبأ: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}،


(١) البحر المحيط.