للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عَلَى رَبِّي} المطلع عليها {لَوْ تَشْعُرُونَ}؛ أي: لو كنتم من أهل الشعور والإدراك لعلمتم ذلك، ولكنكم تجهلون فتقولون ما لا تعلمون حيث عيرتموهم بصنائعهم (١)، قرأ الجمهور: {تَشْعُرُونَ} - بالفوقية -، وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميقع والأعرج وأبو زرعة بالتحتية كأنه ترك الخطاب، والتفت إلى الإخبار عنهم.

١١٤ - ولما جعلوا من موانع إيمانهم اتباع هؤلاء الأراذل كانوا كأنهم طلبوا طردهم، فقال: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤)} ومبعدهم عن مجلسي؛ أي: وما أنا بطارد من آمن بالله واتبعني وصدق ما جئت به من عند الله تعالى، قال ابن عطاء: وما أنا بمعرض عمن أقبل على ربه،

١١٥ - ثم بين وظيفة الرسول، فقال: {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥)}؛ أي (٢): ما أنا إلا رسول مبعوث لإنذار المكلفين وزجرهم عن الكفر والمعاصي، سواء كانوا من الأعزاء أو الأذلاء، فكيف يليق بي طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء، والمعنى أي: إنما بعثت منذرًا ومخوفًا بأس الله وشديد عذابه، فمن أطاعني كان مني وأنا منه، شريفًا كان أو وضيعًا، جليلًا كان أو حقيرًا.

١١٦ - ولما أجابهم بهذا الجواب وأيسوا مما راموا .. لجؤوا إلى التهديد، كما بينه بقوله: {قَالُوا}؛ أي: قال قوم نوح له: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ} عما تدعو إليه من التوحيد، وعما تقول من الطعن في آلهتنا {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}؛ أي: من المقتولين بالحجارة أقبح قتلة، قالوا ذلك - قاتلهم الله - في أواخر الأمر؛ أي: لنرجمنك بالحجارة ولنقتلنك بها إن لم تترك عيب ديننا وسب آلهتنا.

١١٧ - ولما طال مقامه بين ظهرانيهم يدعوهم إلى الله ليلًا ونهارًا، سرًا وإعلانًا، وكلما كرر عليهم الدعوة صموا آذانهم وصمموا على تكذيبه، وتمادوا في عتوهم واستكبارهم .. استغاث بربه وطلب منه أن يحكم بينه وبينهم، وأن يهلكهم كما أهلك المكذبين من قبلهم لرسولهم، وينجيه والمؤمنين به، كما بينه بقوله: {قَالَ} نوح: يا {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ}؛ أي: أصروا على التكذيب بعدما دعوتهم هذه


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.