للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا على قراءة التاء في {تَعْمَلُونَ} خطابًا للمؤمنين، وهي قراءة غير ابن كثير، وحمزة، والكسائي.

والمعنى: فلا تكونوا أيها المؤمنون مثل المنافقين في قولهم المذكور؛ لأنَّ مقصدهم تنفير المؤمنين عن الجهاد بقولهم؛ لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فإن الله تعالى هو المحيي والمميت، فمن قدر له البقاء لم يقتل في الجهاد، ومن قدر له الموت لم يبق، وإن أقام ببيته عند أهله، فلا تقولوا أنتم أيها المؤمنون لمن يريد الخروج إلى الجهاد: لا تخرج فتقتل، فلأن يموت في الجهاد فيستوجب الثواب، خيرٌ له من أن يموت في بيته بلا فائدة. وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي {يعملون} بالياء على الغيبة على أنه وعيدٌ للمنافقين؛ أي: مطلعٌ على عملهم فيجازيهم عليه.

١٥٧ - ثم بشر سبحانه وتعالى من قتل، أو مات في سبيل الله بحسن المآل، فقال: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ}؛ أي: وعزتي وجلالي، لئن قتلتم أيها المؤمنون {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: في الجهاد {أَوْ مُتُّمْ} في سفركم للغزو مع الكفار، أو في بيوتكم، وكنتم مخلصين من النفاق. قرأ نافع، وحمزة، والكسائي بكسر الميم من مات يمات كخاف يخاف، وقرأ الباقون بضم الميم من مات يموت كقال يقول، والضم أقيس وأشهر، والكسر مستعمل كثيرًا. {لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ} لذنوبكم {وَرَحْمَةٌ} منه لكم {خير مما تجمعون} بالتاء خطابًا للمؤمنين؛ أي: مما تجمعونه، أنتم، لو لم تموتوا من الأموال التي تعد خيراتٍ، وهذه قراءة الجمهور. وقرأ حفصٌ عن عاصم {يَجْمَعُونَ} بياء الغيبة؛ أي: خير مما يجمعه هؤلاء الكفرة من منافع الدنيا، وطيباتها مدة أعمارهم.

أي: إن مغفرة الله ورحمته لمن يموت أو يقتل في سبيل الله، خير لكم من جميع ما يتمتع به الكفار من المال، والمتاع، في هذه الدار الفانية، فإن هذا ظلٌّ زائلٌ، وذاك نعيم خالد.

والخلاصة: أن ما ينتظره المؤمن المقاتل في سبيل الله من المغفرة التي تمحو ما كان من ذنوبه، والرحمة التي ترفع درجاته، خيرٌ له مما يجمع هؤلاء