للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للمشركين ولو كانوا أولي قربى؛ لأن النهي عن الاستغفار للمشركين عام، فيستوي فيه القريب والبعيد.

وخلاصة ذلك: أن النبوة والإيمان الصادق، لا يبيحان الاستغفار للمشركين في كل حال، حتى ولو كانوا أولي قربى، إذا ظهر لهم بالدليل، أنهم من أصحاب الجحيم.

وقد تقدم لك في أسباب النزول أن هذه الآية نزلت في أبي طالب، وقد استبعد بعض العلماء نزولها فيه؛ لأن موت أبي طالب كان في مكة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات، وأجاب عنه آخرون بأحد أمرين:

١ - إما بأنها نزلت عقب موته، ثم ألحقت بهذه السورة المدنية، لمناسبتها لأحكامها الخاصة بالبراءة من الكفار وفضيحة المنافقين.

٢ - وإما بأنها نزلت مع غيرها من براءة، مبينة لحكم استغفار النبي، - صلى الله عليه وسلم - له، وقد كان من ذلك الحين إلى نزول الآية، يستغفر لأبي طالب، فإن التشديد على الكفار والبراءة منهم إنما جاء في هذه السورة.

وفي الآية إيماء إلى تحريم الدعاء، لمن مات على كفره بالمغفرة والرحمة، أو بوصفه بذلك، كقولهم: المغفور له، والمرحوم فلان، كما يفعله بعض جهلة المسلمين من الخاصة والعامة.

١١٤ - ثم أجاب عن سؤال قد يختلج بالخاطر مما تقدم فيقال: كيف يمنع النبي والمؤمنون من الاستغفار لأقربائهم وقد استغفر إبراهيم لأبيه؟ فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ}؛ أي: وما استغفر إبراهيم، {لِأَبِيهِ} آزر بقوله: {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ}؛ أي: وَفِّقْه للإيمان وَاهدِه إلى سبيله، {إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ} مبنية على عدم تبين أمره كما ينبىء عنه قوله: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ} إلخ، والاستثناء مفرغ من أعم العلل؛ أي: لم يكن استغفاره لأبيه ناشئًا عن شيء، ولا لأجل شيء، إلا لأجل موعدة {وَعَدَهَا} إبراهيم {إياهُ}؛ أي: أباه بقوله سأستغفر لك ربي؛ أي: لا أملك لك هدايةً ولا نجاةً وإنما أملك أن أدعو الله لك وقد وفى إبراهيم بما وعده ولم يكن إلا وَفِيًّا كما شهد الله له بقوله: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي