{أُكُلُهَا}؛ أي: ما يؤكل فيها ويشرب من الفواكه والمطاعم والمشارب {دَائِمٌ} لا ينقطع ولا يمنع بخلاف ثمر الدنيا؛ أي: دائم بحسب نوعه، فكل شيء أكل يتجدد غيره لا بحسب شخصه، إذا عين المأكول لا ترجع. وقوله:{وَظِلُّهَا} مبتدأ حذف خبره؛ أي: وظل (١) تلك الجنة دائم لا ينسخ في الدنيا بالشمس؛ لأنه لا شمس في الجنة ولا حر ولا برد، فالمراد بدوام الظل دوام الاستراحة، وإنما عبر عنه به لندرة الظل عند العرب، وفيه معظم استراحاتهم في أرضهم. وبعد أن وصف الجنة بهذه الصفات الثلاث بين أنها مآل المتقين ومنتهى أمرهم، فقال:{تِلْكَ} الجنة التي بلغك وصفها، وسمعت بذكرها {تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ} الله تعالى بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات؛ أي: مآلهم وعاقبة أمرهم. ثم بين عاقبة الكافرين بعد ما بين عاقبة المتقين، فقال:{وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ}؛ أي: وعاقبة الكافرين بالله تعالى هي {النَّارُ} الأخروية لا غيرها بما اقترفوا من الذنوب ودنسوا به أنفسهم من الآثام، فالتقوى طريق إلى الجنة، والكفر طريق إلى النار أعاذنا الله منه ومنها. وفي الآية فتح باب الطمع على مصراعيه للمتقين، وإقفاله بالرتاج على الكافرين.
٣٦ - ثم بين أن أهل الكتاب انقسموا فئتين: فئة فرحت بنزول القرآن، وفرقه أنكرته وكفرت ببعضه، فقال:{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ} وأعطيناهم {الْكِتَابَ}؛ أي: التوراة والإنجيل يريد المسلمين من اليهود كعبد الله بن سلام وأصحابه، ومن النصارى وهم ثمانون رجلًا: أربعون بنجران، وثمانية باليمن، واثنان وثلاثون بالحبشة {يَفْرَحُونَ} ويسرون {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}؛ أي: بجميع ما أنزل إليك وهو القرآن كله؛ لأنه من فضل الله ورحمته على العباد، ولا شك أن المؤمن الموقن يسره ما جاء إليه من باب الفضل والإحسان، لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به، كما قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}. {وَمِنَ الْأَحْزَابِ}؛ أي: ومن أحزابهم وجماعتهم الذين تحزبوا وتجمعوا واتفقوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعداوة ككعب بن الأشرف وأتباعه، والسيد