للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا شك أنّ كثيرا من المسلمين الذين تعلموا التعاليم الغربية، ورأوا زخرف المدنية الأوروبية، وغرهم بهرجها وخبلتهم زينتها، تنطبق عليهم هذه الصفات، فهم يحتقرون هداية الدين الروحية وأوامره ونواهيه، وسائر تعاليمه، وماله من تأثير عظيم في النفوس وتوجيه لها إلى الخير، وصد لها عن الشر، والبعد عن الفواحش والمنكرات.

ذاك أنّهم رأوا أنفسهم بعيدين عن الفنون والصناعات وزخرف الحياة الذي وصل فيه الغربيون إلى الغاية القصوى، وهم عبيد شهواتهم، منصرفون عن هداية الأديان إلى أبعد غاية، فحدثتهم أنفسهم أن ينهجوا نهجهم، ويسيروا على سنتهم، علهم يصلون في ذلك إلى بعض ما وصلوا إليه، ولو ساغ لبني إسرائيل أن لا يتبعوا موسى عليه السلام؛ لأنّه لم يكن عنده من زينة الدنيا ومن الفنون والصناعات، ومن رائع المدنية مثل ما كان عند فرعون وقومه، لساغ لهم أن ينحدروا في تلك الهوة ويقعوا في تلك الحفرة، ولله في خلقه شؤون، وهو يصرف الأمور بيده، وله الأمر من قبل ومن بعد

١٤٧ - {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا} وجحدوا {بِآياتِنا} المنزلة على رسلنا؛ أي: لم يصدقوها، ولم يأتمروا بأوامرها، ولم ينتهوا بنواهيها {وَلِقاءِ الْآخِرَةِ}؛ أي: وكذبوا بلقائهم الدار الآخرة، وما فيها من المجازاة بالبعث والنشور، وماتوا على ذلك {حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ}؛ أي (١): حسناتهم التي لا تتوقف على نية، كصلة الأرحام، وإغاثة الملهوفين؛ أي: لا يثابون عليها في الآخرة وإن نفعتهم في تخفيف العذاب، لكن التخفيف لا يقال له ثواب، والاستفهام في قوله: {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ} إنكاري، بمعنى النفي؛ أي: ما يجزون في الآخرة إلا على ما كانوا يعملون في الدنيا من الكفر والمعاصي.

والمعنى (٢): والذين كذبوا بآياتنا المنزلة بالحق، والهدى على رسلنا، فلم يؤمنوا بها، ولم يهتدوا بهديها، وكذبوا بما يكون في الآخرة من الجزاء على الأعمال، من ثواب على الخير وعقاب على الشر، تحبط أعمالهم وتذهب


(١) المراح.
(٢) المراغي.