للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حمل بعير آخر لأجل أخيكم، وحملًا آخر لأبيكم؛ لأنهم قالوا: إن لنا أبًا شيخًا كبيرًا، وأخًا آخر بقي معه؛ لأن يوسف لا يزيد لأحد على حمل بعير. والهمزة فيه للاستفهام التقريري، وهو حمل المخاطب على الإقرار بما بعد حرف النفي، وجاء بصيغة الاستقبال في قوله: {أُوفِي} مع كونه قال لهم هذه المقالة بعد تجهيزهم للدلالة على أن ذلك عادته المستمرة، ثم أخبرهم بما يزيدهم وثوقًا به وتصديقًا لقوله، فقال: {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} لمن نزل بي؛ أي؛ والحال أني خير المضيفين وأفضلهم لمن استضافه كما فعلته بكم من حسن الضيافة وحسن الإنزال. قال الزجاج: قال يوسف عليه السلام: {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ}؛ لأنه حين أنزلهم أحسن ضيافتهم، ولم يقل ذلك يوسف على طريق الامتنان، بل لحثهم على تحقيق ما أمرهم به. والمعنى: وأنا مع إيفاء الكيل خير المكرمين لضيوفه، وقد أحسنت ضيافتكم وجهزتكم بالزاد الكافي لكم مدة سفركم، فلا تنسوا ما أمرتكم به من الإتيان بأخيكم.

٦٠ - ثم توعدهم إن لم يأتوه به، فقال: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ}؛ أي: بأخيكم من أبيكم إذا رجعتم مرة أخرى {فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي}؛ أي: فلا طعام يكال لكم عندي؛ أي: فلا أبيعكم شيئًا من الطعام فيما بعد، وأما في الحال .. فقد أوفاهم كيلهم {وَلَا تَقْرَبُونِ}؛ أي؛ ولا تقربوا بلادي ولا تدخلوها فضلًا من الإحسان إليكم في الإنزال والضيافة. يعني (١): ولا ترجعوا ولا تقربوا بلادي، وهذا هو نهاية التخويف والترهيب؛ لأنهم كانوا محتاجين إلى تحصيل الطعام، ولا يمكنهم تحصيله إلا من عنده، فإذا منعهم من العود .. كان قد ضيق عليهم.

وقيل معناه (٢): لا أنزلكم عندي كما أنزلتكم هذه المرة، ولم يرد أنهم لا يقربون بلاده. و {تَقْرَبُونِ}: مجزوم: إما على أن {لا} ناهية، أو على أنها نافية، وهو معطوف على محل الجزاء داخل في حكمه كأنه قال: فإن لم تأتوني تحرموا، ولا تقربوا،

٦١ - فلما سمعوا منه ذلك وعدوه بما طلبه منهم فـ {قَالُوا سَنُرَاوِدُ


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.