وبعد أن ذكر سبحانه تصرفه في الخلق دقيقه وجليله كما هو شأن الربوبية الكاملة .. ذكر أنه هو السميع العلم، فقال:{وَهُوَ} سبحانه تعالى {السَّمِيعُ} لأقوالهم وأصواتهم {الْعَلِيمُ} بسرائرهم وأحوالهم؛ أي: وهو سبحانه وتعالي المحيط سمعه بكل ما من شأنه أن يسمع، فمهما يكن خفيًّا عن غيره .. فهو يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء، والمحيط علمه بكل شيء {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)}.
والخلاصة: أنه تعالى لا تدق عن سمعه دعوة داعٍ، ولا يعزب عن علمه حاجة محتاجٍ حتى يخبره بها الأولياء، أو يقنعه بها الشفعاء؟!
١٤ - وبعد هذا القول الذي أمر فيه رسوله للتذكير بأنه المالك لكل شيء والمدبر لكل شيء إذ هو سميع لكل شيء، ولا يعزب عن علمه شيء أمره هنا بقول آخر لازم لما سبق، وهو وجوب ولايته تعالى وحده والتوجه إليه دون سواه في كل ما هو فوق كسب البشر، والاعتماد على توفيقه فيما هو من كسبهم، فقال:{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين {أَغَيْرَ اللهِ} سبحانه وتعالى {أَتَّخِذُ} وأجعل {وَلِيًّا} ومعبودًا لنفسي ومتوليًا لأموري؛ أي: لا أتخذ غير الله تعالى وليًّا لنفسي كما اتخذتموهم أولياء لأنفسكم. والاستفهام فيه إنكاري بمعنى النفي، قال لهم ذلك لما دعوه إلى عباده الأصنام، ولما كان الإنكار لاتخاذ غير الله وليًّا لا لاتخاذ الولي مطلقًا .. دخلت الهمزة على المفعول لا على الفعل، والمراد بالولي هنا: المعبود؛ أي: كيف اتخذ غير الله معبودًا؟ ذكره "الشوكاني".
والمعنى (١): قل لهم: لا أطلب من غيره تعالى نفعًا ولا ضرًّا، لا فعلًا ولا منعًا، فيما هو فوق كسبه وتصرفه الذي منحه الله لأبناء جنسه، أما تناصر المخلوقين وتولي بعضهم بعضًا فيما هو من كسبهم العادي: فلا يدخل في عموم الإنكار الذي يفهم من الآية، فقد أثنى الله على المؤمنين بأن بعضهم أولياء بعض. وقد كان المشركون من الوثنيين ومن طرأ عليهم الشرك من أهل الكتاب يتخذون