والهوى. والمؤمن الموحد لا يخضع إلا لربه (١)، وإنما يطيع رسوله؛ لأنه مبلغ عنه كما قال:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ}.
هذا والبشر لم يصلوا في عصر من العصور إلى عشر ما وصلوا إليه في هذا العصر من العلم بالمنافع والمضار، ومعرفة المصالح والمفاسد في المعاملات والآداب، ومع هذا فإن العلم وحده لم يغنم شيئا، فكثرت في البلاد الجرائم من قتل وسلب وإفساد زرع وفسق وفجور ونحو ذلك مما كان سببا في تدهور نظم المجتمعات، فلم يبق اليوم من الإسلام إلا رسمه، ولا من الدين إلا اسمه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فخير وسيلة لإصلاح الأمم تربية الأحداث والنابتة تربية دينية بإقناعهم بمنافع الفضائل كالصدق والأمانة والعدل، وإقناعهم بمضار الرذائل؛ لأن الوازع النفسي أقوى من الوازع الخارجي.
٨٦ - {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ}؛ أي: ولا تجلسوا على كل طريق محسوس حالة كونكم توعدون، وتخوفون بالقتل من مر عليكم ممن يذهب إلى شعيب ليؤمن به. وقد روي عن ابن عباس: أن بلادهم كانت خصبة، وكان الناس يمتارون منهم، فكانوا يقعدون على الطريق، ويخوفون الناس أن يأتوا شعيبا، ويقولون لهم إنه كذا فلا يفتننكم عن دينكم؛ أي: يقعدون على الطريق، ويخوفون الغرباء الذين يريدون الإيمان بشعيب بالقتل إن آمن به.
{وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: وتمنعون عن طاعة الله وعبادته {مَنْ آمَنَ بِهِ}؛ أي: من آمن بالله أو بشعيب {وَتَبْغُونَها عِوَجًا}؛ أي: وتطلبون لسبيل الله ودينه زيغا وميلا عن الحق، وعدولا عن القصد والصواب بإلقاء الشكوك والشبهات فيها. وجملة الأفعال الثلاثة - التي هي توعدون وتصدون وتبغون - أحوال؛ أي: لا تقعدوا موعدين وصادين وباغين.
والخلاصة:
أنه نهاهم عن أشياء ثلاثة:
١ - قعودهم على الطرقات التي توصل إليه مخوفين من يجيئه ليرجع عنه