بفتح الفوقية على البناء للفاعل، وقرأ الباقون بضمها على البناء للمفعول.
والمعنى: أي وإن استمر قومك يا محمد على تكذيبك فيما بلّغته إليهم من الحق المبين بعد أن أقمت لهم الحجج، وضربت الأمثال فتأسى بمن سبقك من الرسل، فقد صبروا على ما أوذوا حتى أتاهم نصرنا, ولا مبدّل لكلماتنا، وإلى الله مرجع أمرك وأمرهم، فيجازيك وإياهم على الصبر والتكذيب.
٥ - ثمّ ذكر أن البعث آت لا ريب فيه، فقال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} عامة، أو يا كفار مكة خاصة. {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} سبحانه إياكم بالبعث والجزاء، وإخباره لكم بالحساب والعقاب والجنة والنار {حَقٌّ}؛ أي: ثابت لا محالة لا خلف فيه.
وفي "التأويلات النجمية": يشير سبحانه إلى أنّ كل ما وعد به الله من الثواب والعقاب والدرجات في الجنة والدركات في النار والقربات في أعلى عليّين، وفي مقعد صدق عند مليك مقتدر، والبعد إلى أسفل سافلين حق، وصدق لا كذب فيه، فإذا علم ذلك استعدّ للموت قبل نزول الفوت، ولم يهتم للرزق، ولم يتهم الرب في كفاية الشغل ونشط في استكثار الطاعة ورضي بالمقسوم. {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}؛ أي: لا تمنعنكم زينة الحياة الدنيا، وزخارفها، وشهواتها عن التزوّد للآخرة؛ بأن يذهلكم التتسع بها عن طلب الآخرة، والسعي لها، وتقطعكم زينتها وشهواتها عن الرياضات والمجاهدات وترك الأوطان ومفارقة الإخوان في طريق الطلب، والمراد: نهيهم عن الاغترار بها، وإن توجّه النهي صورة إليها. وفي بعض الآثار:"يا ابن آدم، لا يغرنك طول المهلة، فإنما يعجل بالأخذ من يخاف الفوت" قال سعيد بن جبير: غرور الحياة الدنيا: أن يشتغل الإنسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الآخرة حتى يقول: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}.
{وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ}؛ أي: لا يخدعنكم أيها الناس {بِاللَّهِ}؛ أي: بسعة كرمه وعفوه. {الْغَرُورُ} بفتح الغين؛ أي: الشيطان المبالغ في الغرور والخداع؛ بأن يمنّيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية، فيقول لكم: إن الله يتجاوز عنكم ويغفر لكم لفضلكم، أو لسعة رحمته لكم.
وفي "المفردات": الغرور - بالفتح - كل ما يغرّ الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان، وقد فسّر بالشيطان، إذ هو أخبث الغاوين، وبالدنيا، لما قيل الدنيا تغرّ وتضرّ وتمرّ.