للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والسلاسل وغيرها. انتهى باختصار، قال في "الوسيط": فيكون بمعنى المُقَبَّحِين. انتهى.

والمعنى (١): أي وألزمنا فرعون وقومه في هذه الدنيا خزيًا وغضبًا منا عليهم، ومن ثم قضينا عليهم بالهلاك والبوار، وسوء الأحدوثة، ونحن متبعوهم لعنة أخرى يوم القيامة، فمخزوهم الخزي الدائم، ومهينوهم الهوان اللازم، الذي لا فكاك عنه.

ودلت الآية (٢) على أن الاستكبار من قبائحهم المؤدية إلى هذه القباحة والطرد، قال عليه الصلاة والسلام حكاية عن ربه سبحانه: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في النار" وصف الحق سبحانه نفسه بالرداء والإزار، دون القميص والسراويل، لكونهما غير مخيطين، فبَعُدا عن التركيب الذي هو من أوصاف الجسمانيات.

واعلم: أن الكبر يتولد من الإعجاب، والإعجاب من الجهل بحقيقة المحاسن، والجهل رأس الانسلاخ من الإنسانية، ومن الكبر الامتناع من قبول الحق، ولذا عظَّم الله أمره، فقال: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وأقبح كبر بين الناس ما كان معه بخل، ولذلك قال عليه السلام: "خصلتان لا تجتمعان في مؤمن البخل والكبر" ومن تكبر لرياسة نالها دل على دناءة عنصره، ومن تفكر في تركيب ذاته، فعرف مبدأه ومنتهاه وأوسطه عرف نقصه، ورفض كبره، ومن كان تكبره لغنية، فليعلم أن ذلك ظل زائل، وعارية مستردة.

٤٣ - ثم بيَّن سبحانه الحاجة التي دعت إلى إرسال موسى، ليكون كالتوطئة لبيان الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن الكريم على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أعطينا موسى الكتاب، وأنزلنا عليه التوراة،


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.