للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحمل (١) هذه الجمل على الملائكة أولى من حمله على جميع من تقدم ذكره، لأن في مخلوقات الله من يستكبر عن عبادته ولا يخافه ولا يفعل ما يؤمر به، كالكفار والعصاة الذين لا يتصفون بهذه الصفات وإبليس وجنوده.

والمعنى: أي (٢) يخاف هؤلاء الملائكة والدواب التي في الأرض ربهم، الذي هو من فوقهم بالقوة والقهر، أن يعذبهم إن عصوه، ويفعلون ما أمرهم به، فيؤدون حقوقه ويجتنبون سخطه، ونحو الآية قوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}.

ومجمل القول: أنه تعالى نبه إلى أنه لعظمته وكبريائه تدين له المخلوقات بأسرها، جمادها ونباتها وحيوانها، ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة، وهذه السجدة من عزائم سجود القرآن، فيسن للقارىء والمستمع أن يسجد عند قراءتها وسماعها.

٥١ - ولما بين سبحانه أن مخلوقاته السماوية والأرضية منقادة له خاضعة لجلاله .. أتبع ذلك بالنهي عن الشرك بقوله: {وَقَالَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى لجميع المكلفين {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} تأكيد لما فهم من إلهين من التثنية، يعني نفسه والأصنام {إِنَّمَا هُوَ} سبحانه وتعالى {إِلَهٌ وَاحِدٌ}؛ أي: معبود واحد لا شريك له في ذاته وصفاته، ولا شبيه له في أفعاله.

وقد قيل (٣): إن التثنية في إلهين قد دلت على الاثنينية، والإفراد في إله قد دل على الوحدة، فما وجه وصف إلهين باثنين، ووصف إله بواحد؟

فقيل في الجواب: إن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، والتقدير: لا تتخذوا اثنين إلهين، إنما هو واحد إلهٌ، وقيل: إن التكرير لأجل المبالغة في التنفير عن اتخاذ الشريك، وقيل: إن فائدة زيادة اثنين هي أن يعلم أن النهي راجع إلى التعدد لا إلى الجنسية، وفائدة زيادة واحد دفع توهم أن المراد إثبات الإلهية دون الوحدانية، مع


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.