للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهو تعالى أعلم بمن طمس على قلبه وجعل على بصره غشاوة فوقع اليأس من اهتدائه، وبمن يُرجى له الهداية والتوفيق بعد البلاغ.

روي (١) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لما قرأ هذه الآية على أهل الكتاب قالوا: أسلمنا، فقال - صلى الله عليه وسلم - لليهود: "أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده، ورسوله"، فقالوا: معاذ الله، وقال - صلى الله عليه وسلم - للنصارى: "أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله"، فقالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبدًا، وذلك قوله عزّ وجلّ: {وَإِنْ تَوَلَّوْا}.

٢١ - {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ}؛ أي: بالقرآن، وبما جاء به محمَّد - صلى الله عليه وسلم - من اليهود والنصارى وغيرهم. فالآية وإن كانت قد نزلت في فريق من اليهود والنصارى إلا أنها عامة؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ}؛ أي: بغير جرم ولا شبهة لديهم، وكان دأبهم قتل الأنبياء كزكريا ويحيى عليهما السلام. وقرأ الحسن شذوذًا: (ويقتّلون النّبيين) بالتشديد، والتشديد فيه للتكثير وقوله: {بِغَيْرِ حَقٍّ} (٢) حال مؤكدة؛ لأن قتل الأنبياء لا يكون حقًّا. {وَيَقْتُلُونَ} الدعاة {الَّذِينَ يَأْمُرُونَ} الناس {بِالْقِسْطِ} والعدل وينهونهم عن ارتكاب المعاصي والمنكر حال كون أولئك الدعاة {مِنَ} بعض {النَّاسِ}. وقرأ حمزة (٣) وجماعة من غير السبعة: {ويقاتلون الذين يأمرون بالقسط} بالألف. وقرأها الأعمش شذوذًا: (وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط). وكذا هي في مصحف عبد الله وقرأ أبي شذوذًا أيضًا: {يقتلون النبيين والذين يأمرون بالقسط}.

ومن كرر الفعل فذلك على سبيل عطف الجمل وإبراز كل جملة في صورة التشنيع والتفظيع؛ لأن كل جملة مستقلة بنفسها، أو لاختلاف ترتب العذاب بالنسبة لمن وقع عليه الفعل، فقتل الأنبياء أعظم من قتل من يأمر بالقسط من غير الأنبياء، فجعل القتل بسبب اختلاف مرتبته كأنهما فعلان مختلفان، وقيل غير ذلك.


(١) أبو السعود.
(٢) النسفي.
(٣) البحر المحيط.