للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{فَأُولَئِكَ} الموصوفون بالطاعة والخشية والاتقاء {هُمُ الْفَائِزُونَ} بالنعيم المقيم. والخلود في جنات النعيم، والتقلب في رضا المولى الكريم، لا من عداهم. وهذه الآية على إيجازها حاوية لكل ما ينبغي للمؤمنين أن يفعلوه. وإنما فسرنا الفلاح فيما سبق بالنجاة والفوز هنا بالنعيم؛ لأن باب التخلية مقدم على باب التحلية، ولأنه المناسب لسياق الكلام.

وقرأ حفص (١) {وَيَتَّقْهِ} بإسكان القاف وكسر الهاء، باختلاس على نية الجزم، إجراء للمعتل مجرى الصحيح على لغة من قال: لم أر زيدًا بإسكان الراء. ولم أشتر طعامًا، بإسكانها أيضًا. يسقطون الياء للجازم، ثم يسكنون الحرف الذي قبلها. ومنه قول الشار: قالت سليمى اشتر لنا دقيقًا.

وقرأ الباقون بكسر القاف؛ لأن جزم هذا الفعل بحذف آخره، ولكن قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وورش عن نافع: {ويتقهي} بياء موصولة. وقرأ قالون عن نافع: {ويتقه} بكسر الهاء، لا يصل بها الياء. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم {ويتقه} بإسكان الهاء.

٥٣ - ثم حكى سبحانه عن المنافقين أنهم لما كرهوا حكمه .. أقسموا بأنه لو أمرهم بالخروج إلى الغزو لخرجوا، فقال: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ}؛ أي: أقسم المنافقون، وحلفوا بالله سبحانه وتعالى {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}؛ أي: أقصى مراتب اليمين، وغايتها ونهايتها في الوكادة والشدة. قيل (٢): جهد اليمين أن يحلف بالله ولا يزيد على ذلك شيئًا. وقيل: بتعداد أسماء الله وصفاته. وأصله من القسامة، وهي أيمان تقسم على المتهمين في الدم، ثم صار اسمًا لكل حلف. والجهد بالفتح: الطاقة. والأيمان جمع يمين، واليمين في اللغة: القوة. وفي الشرع: تقوية أحد طرفي الخبر بذكر الله. قال الإِمام الراغب: اليمين في الحلف مستعار من اليد، اعتبارًا بما يفعله المجاهد والمعاهد عنده من المصافحة.


(١) الشوكاني وزاد المسير.
(٢) الخازن.