أتى آدم مكة لزيارة البيت وغاب، فأتى قابيل لهابيل وهو في غنمه وقال؛ أي: قابيل لهابيل: والله لأقتلنك يا هابيل؛ أي: إن الذي لم يتقبل منه توعد أخاه وحلف ليقتلنه، فقال هابيل: ولم تقتلني؟ قال قابيل: لأن الله تقبل قربانك ورد قرباني، وتريد أن تنكح أختي الجميلة وأنكح أختك الدميمة، فيتحدث الناس بأنك خير مني ويفتخر ولدك على ولدي. وقرأ زيد بن علي:{لأقتلنْك} بالنون الخفيفة. فأجابه الآخر الذي هو هابيل أحسن جواب {فقال}: وما ذنبي الذي حملك على قتلي؟ فإن عدم قبول قربانك لعدم إخلاصك وتقواك لأنَّه {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى القرابين، وسائر الأعمال الصالحة {مِنَ الْمُتَّقِينَ}؛ أي ممن يتصف بتقوى الله، والخوف من عقابه باجتنابه الشرك، وسائر المعاصي كالرياء، والشح، واتباع الأهواء.
وخلاصة جوابه: إني لم أذنب إليك ذنبًا تقتلني به، فإن كان الله لم يتقبل قربانك .. فحاسب نفسك لتعرف سبب ذلك؛ فإن الله إنما يتقبل من المتقين فاحمل نفسك على تقوى الله، والإخلاص له في العمل، ثم تقرب إليه بالطيبات يتقبل منك. قال تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. وفي الحديث:"إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب". وفي هذا من العبرة ما كان ينبغي أن يتعظ يه المراؤون الذين يبتغون بما يتصدقون به الصيت - الذكر الحسن - واجتلاب الثناء من الناس، وحسن الأحدوثة.
٢٨ - ثم بين الله سبحانه وتعالى ما يجب للناس من احترام الدماء، وحفظ الأنفس، ولا سيما بين الأخوة فقال إخبارًا عن هابيل: والله {لَئِنْ بَسَطْتَ} ومددت {إلى يدك لـ} ـكي {تقتلني} وتباشر قتلي حسبما أوعدتني {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ} وماد {يَدِيَ إِلَيْكَ} يا قابيل {لـ} ـكي {أقتلك} وأباشر قتلك؛ أي: إن مددت يدك لتقتلني، فما أنا بالمجازي لك على السيئة بسئة مثلها، فذاك لا يتفق مع شمائلي، وصفاتي، وأخلاقي؛ إذ لست ممن يتصف بهذه الصفة المنكرة التي تنافي تقوى الله تعالى والخوف من عذابه. ثم بين علة امتناعه عن قتله فقال:{إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ} سبحانه وتعالى وأخشى {رَبَّ الْعَالَمِينَ} ومالك المخلوقات أن