للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المبالغة، لئن جاءهم من الله رسول ينذرهم بأسه .. ليكوننّ أسلك لطريق الحق، وأشد قبولًا له من أيِّ أمة من الأمم التي قد خلت من قبلهم، أو المعنى: فواللهِ لئن أتانا رسول لنكوننّ أهدى من إحدى الأمم؛ أي: من الأمة التي يقال فيها هي إحدى الأمم تفضيلًا لها على غيرها في الهدى والاستقامة، كما يقال للدّاهية العظيمة: هي إحدى الدواهي.

والخلاصة: من إحدى الأمم على العموم، أو من الأمة التي يقال لها: إحدى الأمم تفضيلًا لها, ولا ينافي عموم ما هنا قوله في أواخر سورة الأنعام: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا}؛ أي: اليهود والنصارى، ثم قوله: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ}؛ أي: إلى الحق؛ لأن (١) تخصيص الطائفتين وكتابيهما هناك إنما هو لاشتهارهما بين الأمم، واشتهارهما فيما بين الكتب السماوية.

{فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ}؛ أي: نذير أفضل الكل، وأشرف الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، {مَا زَادَهُمْ}؛ أي: ما زاد قريشًا ذلك النذير أو مجيئه. {إِلَّا نُفُورًا}؛ أي: إلا تباعدًا عن الحق والهدى، وهربًا منه، وفيه إشعار بأن (٢) المثبت أصل النفور؛ لكونهم جاهليّة لم يأتهم نذير من عهد إسماعيل، وإسناد الزيادة إليه مجاز؛ لأنه هو السبب في أن زادوا في أنفسهم نفورًا.

٤٣ - {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ} بدل من {نُفُورًا}، أو مفعول له؛ أي: ما زادهم إلا عتوًّا وتكبرًا عن الإيمان به، أو ما زداهم إلا نفورًا لأجل الاستكبار والعتوّ، قال في "بحر العلوم": الاستكبار والتكبّر، كالاستعظام والتعظّم لفظًا ومعنى. انتهى. قال بعضهم: إن الله تعالى قد أنشأك من الأرض، فلا ينبغي لك أن تعلو على أمك، {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} معطوف على {اسْتِكْبَارًا}، أو على {نُفُورًا}، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، كمسجد الجامع، وصلاة الأولى، وأصله: أن مكروا المكر السيء، فحذف الموصوف استغناء بوصفه، ثم بدل أن مع الفعل بالمصدر، ثم أضيف اتساعًا، وقال الراغب: المكر: صرف الغير عما يقصده بحيلة، وذلك ضربان: محمود، وهو أن يتحرَّى بذلك فعل جميل، وعلى ذلك قوله: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، ومذموم، وهو


(١) روح البيان.
(٢) الصاوي.