قلت: لا يلزم من كتابته في كتاب حلوله فيه كما لو كتب على شيء ألف دينار لا يلزم منه وجودها فيه، ومثله قوله تعالى:{الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ}. فثبت أنه ليس حالًّا في شيء من ذلك، بل هو كلام الله تعالى، وكلامه صفة قديمة قائمة به لا تفارقه.
فإن قلت: إذا لم تفارقه فكيف سمّاه منزلًا؟.
قلت: معنى إنزاله تعالى له: إنه علمه جبريل، وأمره أن يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ويأمره أن يعلمه لأمته مع أنه لم يزل، ولا يزال صفة لله تعالى قائمة به لا تفارقه.
٧٩ - وقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} إمَّا (١) صفة لكتاب فالمراد بالمطهرين الملائكة المنزهون من الكدورات الجسمانية، وأوضار الأوزار أو للقرآن، فالمراد المطهرون من الأحداث مطلقًا. فيكون نفيًا بمعنى النهي؛ أي: لا ينبغي أن يمسه إلا من كان على طهارة من الأدناس كالحدث والجنابة ونحوهما على طريقة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه"؛ أي: لا ينبغي له أن يظلمه أو يسلمه إلى من يظلمه. فالمراد من القرآن: المصحف، سماه قرآنًا على قرب الجوار والاتساع، كما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، وأراد به: المصحف.
وفي الفقه: لا يجوز لمحدث بالحدث الأصغر - وهو ما يوجب الوضوء - مس المصحف إلا بغلافه المنفصل الغير المشرز كالخريطة ونحوها؛ لأن مسه ليس مسًّا بالقرآن حقيقة إلا المتصل في الصحيح. وهو المجلد المشرز؛ لأنه من المصحف يعني: تبع له، حتى يدخل في بيعه بلا ذكر، وهذا أقرب إلى التعظيم، وكره المس بالكم؛ لأنه تابع للحامل، فلا يكون حائلًا، ولهذا لو حلف لا يجلس على الأرض، فجلس وذيله بينه وبين الأرض حنث، وإنما منع الأصغر عن مس المصحف دون تلاوته؛ لأنه حل اليد دون الفم، ولهذا لم يجب غسله في الوضوء، والجنابة كانت حالة كليهما. ولا يرد العين؛ لأنّ الجنب حل نظره إلى مصحف بلا قراءة، وكذا لا يجوز لمحدث مس درهم فيه سورة إلا بصرته، ولا لجنب دخول