كهانته، وسمّوا شياطين؛ لبعدهم عن الحقّ، فإنّ الشّطون هو البعد، كذا في «التيسير».
والمعنى: أي وإذا انفردوا عن المؤمنين، ورجعوا إلى شياطينهم؛ أي: إلى كبرائهم، ورؤسائهم في الضلال والنفاق الذين شابهوا الشياطين في تمردهم وعتوهم، أو إلى كهنتهم. {قالُوا}؛ أي: قال هؤلاء المنافقون لرؤسائهم: {إِنَّا مَعَكُمْ}: أي: مصاحبوكم، وموافقوكم على دينكم واعتقادكم لا نفارقكم في حال من الأحوال. وكأنه قيل لهم عند قولهم:{إِنَّا مَعَكُمْ}: فما بالكم توافقون المؤمنين في الإتيان بكلمة الشهادة، وتشهدون مشاهدهم، وتدخلون مساجدهم، وتحجون، وتغزون معهم؟ فقالوا:{إِنَّما نَحْنُ} في إظهار الإيمان عند المؤمنين {مُسْتَهْزِؤُنَ} بهم من غير أن يخطر ببالنا الإيمان حقيقة، فنريهم أنا نوافقهم على دينهم ظاهرا وباطنا، وإنما نكون معهم ظاهرا؛ لنشاركهم في غنائمهم، وننكح بناتهم، ونطّلع على أسرارهم، ونحفظ أموالنا، وأولادنا، ونساءنا من أيديهم.
والاستهزاء: التجهيل للغير، والسخرية به، والاستخفاف به.
والمعنى: إنّا نجهّل محمدا وأصحابه، ونسخر بهم بإظهارنا الإسلام.
وقرىء {مُسْتَهْزِؤُنَ} بتحقيق الهمزة، وهو الأصل، وبقلبها ياء مضمومة؛ لانكسار ما قبلها، ومنهم من يحذف الياء؛ تشبيها بالياء الأصلية في نحو: يرمون، ذكره في «البحر».
١٥ - فردّ الله عليهم بقوله:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} أي: يجازيهم على استهزائهم، أو يرجع وبال الاستهزاء عليهم فيكون كالمستهزىء بهم، أو ينزل الحقارة بهم والهوان الذي هو لازم الاستهزاء والغرض منه، أو يعاملهم معاملة المستهزىء بهم، أمّا في الدنيا: فبإجراء أحكام المسلمين عليهم واستدراجهم بالإمهال، والزيادة في النعمة على التمادي في الطغيان، وأما في الآخرة: فبما يروى: أنّه يفتح لهم بابا إلى الجنة، وهم في جهنّم، فيسرعون نحوه، فإذا وصلوا إليه سدّ عليهم الباب، وردّوا إلى جهنم. والمؤمنون على الأرائك في الجنة، ينظرون إليهم، فيضحكون لهم كما ضحكوا من المؤمنين في الدنيا، فذلك بمقابلة هذا،