للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فِرْعَوْنُ} بعدما سمع نصحه، إضرابًا عن المجادلة {مَا أُرِيكُمْ}؛ أي: ما أشير عليكم {إِلَّا مَا أَرَى} وأستصوبه من قتله، قطعًا لمادة الفتنة {وَمَا أَهْدِيكُمْ} بهذا الرأي {إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} وطريق الصواب، فهو من الرأي، ويجوز أن يكون من الرؤية بمعنى العلم؛ أي: لا أعلمكم إلا ما أعلم، ولا أسر عنكم خلاف ما أظهره، ولقد كذب حيث كان مستشعرًا للخوف الشديد، ولكنه كان يظهر الجلادة وعدم المبالاة، ولولاه لما استشار أحدًا.

وقرأ الجمهور (١): {الرَّشَادِ} بتخفيف الشين، وقرأ معاذ بن جبل: بتشديدها، على أنه صيغة مبالغة، كضراب، وقال النحاس: هي لحن ولا وجه لذلك، وقال أبو الفتح: هو اسم فاعل في بنية مبالغة من الفعل الثلاثي، يقال: رشد فهو رشّاد كعبّاد من عبد، وقال الزمخشري: أو من رشد، كعلام من علم.

والمعنى (٢): أي قال فرعون مجيبًا هذا المؤمن الناهي عن قتل موسى: لا أشير عليكم برأي سوى ما ذكرته، من وجوب قتله حسمًا للفتنة، وإني لأرى أن هذا هو سبيل الرشاد والصلاح، ولا أَعدُّ غير هذا صوابًا.

٣٠ - ثم كرر ذلك الرجل المؤمن تذكيرهم، وحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم، فقال الله حاكيًا عنه: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ} من آل فرعون، مخاطبًا لقومه واعظًا لهم.

وفي الحديث: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"، وذلك من أجل علة الخوف والقهر، ولأن الجهاد بالحجة والبرهان أكبر من الجهاد بالسيف والسنان {يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} في تكذيب موسى عليه السلام، والتعرض له بسوء، كالقتل والأذى {مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ}؛ أي: مثل عذاب أيام الأمم الماضية، يعني وقائعهم العظيمة، وعقوباتهم الهائلة، على طريق ذكر المحل وإرادة الحال.

فإن قلت: الظاهر أن يقال: مثل أيام الأحزاب، إذ لكل حزب يوم على حدة.

قلت: جمع الأحزاب مع تفسيره بالطوائف المختلفة المتباينة الأزمان


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.