للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يخالف أمور الدنيا، وهذا منها.

{وَلِبَاسُهُمْ}؛ أي: ما يلبسون {فِيهَا}؛ أي: في الجنات {حَرِيرٌ} لا كحرير الدنيا، فإنه لا يوجد من معناه في الدنيا إلا الاسم. والمعنى: أي: بساتين إقامة يدخلها هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب، واصطفيناهم من عبادنا يوم القيامة، ويحلون فيها أسورة من ذهب ولآلىء، ويكون لباسهم فيها حريرًا.

٣٤ - {وَقَالُوا}؛ أي: ويقولون عند دخولهم الجنة حمدًا لربهم على ما صنع بهم، وصيغة الماضي للدلالة على التحقق {الْحَمْدُ لِلَّهِ}؛ أي: الإحاطة بأوصاف الكمال لمن له تمام القدرة، {الَّذِي أَذْهَبَ}؛ أي: أزال {عَنَّا} بدخولنا الجنة، {الْحَزَنَ}؛ أي: جنس الحزن والغم والهمّ، سواء كان حزن الدنيا، أو حزن الآخرة من همّ المعاش وحزن زوال النعم والجوع والعطش وخوف السلطان ودغدغة التحاسد والتباغض وحزن الأعراض والآفات ووسوسة إبليس والسيئات وردّ الطاعات وسوء العاقبة والموت وأهوال يوم القيامة والنار والمرور على الصراط، وغير ذلك.

وقرأ الجمهور: {الْحَزَنَ} بفتحتين، وقرأ جناح بن حُبيش: بضم الحاء وسكون الزاي: أي: ويقولون حينئذ: الحمد لله الذي أذهب عنا الخوف من كل ما نحذر، وأراحنا مما كنا نتخوّف من هموم الدنيا والآخرة، ثم ذكر السبب في ذهاب الحزن عنهم فقال: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ} لذنوب المذنبين {شَكُورٌ} للمطيعين. روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، إن ربنا لغفور شكور". رواه البغوي بسنده.

والخلاصة: أنه أذهب عنهم الحزن من خوف العاقبة، ومن أجل المعاش والوساوس، ولما ذكر سرورهم وكرامتهم بتحليتهم بالحلي، وإدخالهم الجنات .. ذكر سرورهم ببقائهم فيها، وأعلمهم بدوامها فقال: {الَّذِي أَحَلَّنَا}؛ أي: أنزلنا {دَارَ الْمُقَامَةِ} والدوام التي يقام فيها أبدًا، ولا ينتقل عنها، {مِنْ فَضْلِهِ} ورحمته وإحسانه من غير أن يوجبه شيء من جهتنا. والمعنى (١): {إِنَّ رَبَّنَا} المحسن إلينا


(١) روح البيان.