للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عداوة كتامر لذي تمر.

والاستثناء في قوله: {إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}؛ أي: إما (١) منقطع، فالمعنى عليه: فاعلموا أن معبوداتكم عدوّ لي، لا أعبدها, لكن رب العالمين ليس كذلك، بل هو وليي في الدنيا والآخرة، لا يزال يتفضل عليّ بمنافعهما فأعبده، أو متصل، فالمعنى عليه: فإن كل معبود عدوّ لي إلا رب العالمين، فإنه ليس بعدوّي بل هو وليي ومعبودي.

والحاصل: أن إبراهيم عليه السلام صوّر الأمر في نفسه كما مر آنفًا تعريضًا بهم، فالمعنى: إني تفكرت في أمري، فرأيت عبادتي للأصنام عبادة للعدو؛ لأن من يغري على عبادتها هو الشيطان؛ فإنه أعدى عدو الإنسان، فاجتنَبتها، وأراهم إبراهيم أن تلك الكلمة نصيحة نصح بها نفسه، فإذا تفكروا قالوا: ما نصحنا إبراهيم إلّا بما نصح به نفسه، فيكون ذلك أدعى للقبول، وأبعث إلى الاستماع منه.

ومعنى الآية: أي (٢) إن كانت هذه الأصنام لها تأثير كما تدعون، وتستطيع أن تضر وتنفع فتخلص إليّ بالمساءة، فإني عدو لها, لا أبالي بها, ولا آبَهُ بشأنها, ولكن رب العالمين هو وليي في الدنيا والآخرة، ولا يزال متفضلًا علي فيهما.

ونحو الآية قول نوح عليه السلام: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ}، وقول هود: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)}.

٧٨ - ثم وصف معبوده رب العالمين الذي يستحق العبادة بأوصاف استحق لأجلها أن يعبد، فقال:


(١) المراح.
(٢) المراغي.