٤٠ - {وَإِنْ تَوَلَّوْا}؛ أي: وإن أعرض أولئك الكفار عن التوبة، والإيمان، وعن سماع تبليغكم، ولم ينتهوا عن كفرهم، وفتنتهم وقتالهم لكم {فَاعْلَمُوا} أيها المؤمنون {أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {مَوْلاكُمْ}؛ أي: مواليكم، ومعينكم عليهم، وهذا وعد صريح بالظفر والنصر؛ أي: فأيقنوا أيها المؤمنون بنصر الله تعالى ومعونته لكم، وهو متولي أموركم، فلا تبالوا بهم، ولا تخشوا بطشهم، وجواب {إِنْ} محذوف، وجملة قوله:{فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} علة للجواب المحذوف، والمعنى: وإن تولوا عن الإيمان، فلا تخشوا بأسهم، لأن الله مولاكم، وهو سبحانه وتعالى {نِعْمَ الْمَوْلى}؛ أي: نعم الولي بالحفظ، فلا يضع من تولاه {وَنِعْمَ النَّصِيرُ}؛ أي: نعم الناصر على الأعداء، فلا يغلب من نصره، وكل من كان في حماية الله تعالى كان آمنا من الآفات، مصونا عن المخلوقات، وهذا ثناء من الله تعالى على نفسه، فهو حمد قديم لقديم، وما غلب المسلمون في العصور الأخيرة وذهب أكثر ملكهم إلا لأنهم تركوا الاهتداء بهدي دينهم، وتركوا الاستعداد المادي والحربي الذي طلبه الله بقوله:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} واتكلوا على خوارق العادات، وقراءة الأحاديث، والدعوات، وذلك مما لم يشرعه الله، ولم يعمل به رسوله، إلى أنهم تركوا العدل والفضائل، وسنن الله في الاجتماع التي انتصر بها السلف الصالح، وأنفقوا أموال الأمة والدولة فيما حرم الله عليهم من الإسراف في شهواتهم.
وعلى العكس من ذلك، اتبع الإفرنج تعاليم الإسلام، فاستعدوا للحرب، واتبعوا سنن الله في العمران، فرجحت كفتهم، ولله الأمر.
وما مكن الله لسلف المسلمين من فتح بلاد كسرى، وقيصر، وغيرهما من البلاد إلا لما أصاب أهلها من الشرك وفساد العقائد في الآداب، ومساوي الأخلاق، والعادات، والانغماس في الشهوات، واتباع سلطان البدع، والخرافات فجاء الإسلام، وأزال كل هذا، واستبدل التوحيد والفضائل بها، ومن ثم نصر الله أهله على الأمم كلها.
ولما أضاع جمهرة المسلمين هذه الفضائل، واتبعوا سنن من قبلهم في اتباع