عليه السلام:{وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى}. فأراه تعالى أن النار لا تضر شيئًا إلا بإذن الله تعالى، وإن ظهرت بصورة القهر وصفته. وكذلك أظهر الجمع بين المتضادين، بجعلها بردا وسلاما. وفيه معجزة قاهرة لأعدائه، فإنهم كانوا يعبدون النار والشمس والنجوم، ويعتقدون وصف الربوبية لها، فأراهم الحق تعالى، أنها لا تضر إلا بإذن الله تعالى.
وقد ورد في الخبر: أن النمرود لما شاهد النار، كانت على إبراهيم بردًا وسلامًا قال: إن ربك لعظيم نتقرب إليه بقرابين. فذبح تقربًا إليه آلافًا كثيرة، فلم ينفعه لإصراره على اعتقاده وعمله وسوء حاله.
٩٩ - وبعد أن يئس من إيمانهم، أراد مفارقتهم والهجرة من بينهم، كما أشار إلى ذلك سبحانه وتعالى بقوله:{وَقالَ} إبراهيم بعدما أنجاه الله تعالى من النار، قاله لمن فارقه من قومه، فيكون ذلك توبيخًا لهم، أو لمن هاجر معه من أهله، فيكون ذلك ترغيبًا لهم. {إِنِّي ذاهِبٌ}؛ أي: مهاجر من أرض قومي، الذين فعلوا ما فعلوا، تعصبًا للأصنام، وكفرًا بالله، وتكذيبًا لرسله؛ أي: مهاجر من أرض حران، أو من بابل، أو قرية بين البصرة والكوفة، يقال لها: هرمز بحره {إِلى رَبِّي}؛ أي: إلى حيث أمرني ربي بالمهاجرة إليه. وهو الشام، أو إلى حيث أتجرد فيه لعبادته تعالى؛ أي: موضع كان، فإن الذهاب إلى ذات الرب محال، إذ ليس في جهة من الأرض.
وفي «بحر العلوم»: ولعله أمره الله تعالى، بأن يهجر دار الكفر، ويذهب إلى موضع، يقدر فيه على زيارة الصخرة التي هي قبلته، وعلى عمارة المسجد الحرام، أو هي القرية التي دفن فيها، كما أمر نبينا - صلى الله عليه وسلم -، بالهجرة من مكة إلى المدينة. وفي بعض التواريخ: دفن إبراهيم بأرض فلسطين، وهي بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين المهملة؛ البلاد التي بين الشام وأرض مصر، منها: الرملة، وغزة، وعسقلان، وغيرها. {سَيَهْدِينِ}؛ أي: سيرشدني إلى مقصدي الذي أردت، وهو الشام أو إلى موضع يكون فيه صلاح ديني، أو سيثبتني على هداي ويزيدني هدى. وبتّ القول بذلك لسبق الوعد بذلك، أو لفرط توكله على ربه،