للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلا هواه لا تستطيع أن تدعوه إلى الهدى، وتمنعه من متابعة الهوى، إن عليك إلا البلاغ. ونحو الآية قوله: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) وقوله: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}، وقوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. وفي هذا الأسلوب (١) تعجيب لرسوله من سوء أحوالهم بعد أن حكى قبيح أقوالهم وأفعالهم، وتنبيه له إلى سوء عاقبتهم، قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانًا، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول، فأنزل الله الآية.

٣ - ٤٤ {أَمْ تَحْسَبُ} {أَمْ}: منقطعة تقدر بمعنى بل الإضرابية، وهمزة الاستفهام الإنكاري؛ أي: بل أتظن يا محمد {أَنَّ أَكْثَرَهُمْ}؛ أي: أن أكثر هؤلاء المشركين {يَسْمَعُونَ} ما يتلى عليهم من الآيات حق سماع؛ أي: سماع تفهم وتدبر واعتبار واتعاظ {أَوْ} أنهم {يَعْقِلُونَ} ما في تضاعيفها من المواعظ الزاجرة عن القبائح الداعية إلى المحاسن، فتهتم بشأنهم، وتطمع في إيمانهم، لا تحسبنّ ذلك. وتخصيص (٢) الأكثر؛ لأنه كان منهم من آمن ومنهم من عقل الحق وكابر استكبارًا وخوفًا على الرسالة.

قال ابن عطاء - رحمه الله -: لا تظن أنك تسمع نداءك، إنما تسمعهم إن سمعوا نداء الأزل، وإلا فإن نداءك لهم ودعوتك لا تغني عنهم شيئًا، وإجابتهم دعوتك هو بركة جواب نداء الأزل ودعوته، فمن غفل وأعرض فإنما هو لبعده عن محل الجواب في الأزل {إِنْ هُمْ}؛ أي: ما هم في عدم انتفاعهم بما يقرع آذانهم من قوارع الآيات، وانتفاء التدبر فيما يشاهدونه من الدلائل والمعجزات {إِلَّا كَالْأَنْعَامِ}؛ أي: إلا كالبهائم التي هي مثل في الغفلة، وعلم في الضلالة.

وفي "التأويلات النجمية": ليس لهم نهمة إلا في الأكل والشرب واستجلاب حظوظ النفس كالبهائم التي نهمتها الأكل والشرب {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} وأجهل وأخطأ {سَبِيلًا}؛ أي: طريقًا موصلًا إلى مصالحهم من الأنعام؛ لأنها تنقاد لمن يقودها، وتميز من يحسن إليها، وتطلب ما ينفعها، وتجتنب ما يضرها،


(١) المراغي
(٢) روح البيان.