للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة العنكبوت: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ}. وفي هذا إيماء إلى أنه تعالى يوجد الأسباب لتحقيق ما يريد من المسببات بحسب السنن التي وضعها في الخليقة، وأنه يمهل الظالمين ولا يهملهم كما جاء في الحديث: "إن ربك لا يهمل، ولكن يمهل".

١٤ - ثم أشار إلى أنه كان محروسًا بعناية الله، وكلاءته فقال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}؛ أي: تجري السفينة، وتسير بمرأى منا؛ أي: محفوظة بحفظنا. وقيل: محفوظة بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها. وقيل: تجري بأعيننا؛ أي: بأمرنا، وقدرتنا. وقيل: تجري بأعيننا النابعة من الأرض. وقرأ الجمهور (١) {بِأَعْيُنِنَا} بالفكّ. وقرأ زبد بن علي، وأبو السمّال {بِأَعْيُنَّا} بالإدغام.

وقوله: {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} مفعول له لما ذكر من فتح أبواب السماء وما بعده؛ أي: (٢) فعلنا ذلك المذكور أجرًا وثوابًا لنوح؛ لأنه كان نعمة كفروها. فإن كل نبي نعمة من الله على أمته أي نعمة، ورحمة أي رحمة. وكان نوح نعمة مكفورة.

ومن هذا المعنى ما حكي: أنَّ رجلًا قال لهارون الرشيد: الحمد لله عليك، فقال: ما معنى هذا الكلام؟ فقال: أنت نِعَمٌ حمدت الله عليها. وقال الفراء: فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه، وإغراقهم ثوابًا لمن كان كفر به، وجحد أمره، وهو نوح عليه السلام، فإنه كان لهم نعمة كفروها, فانتصاب {جَزَاءً} على العلة. وقيل: على المصدرية بفعل مقدر؛ أي: جازيناهم جزاء.

وقرأ الجمهور (٣): {كُفِرَ} مبنيًا للمفعول. والمراد به: نوح، وقيل: هو الله سبحانه، وقرأ مسلمة بن محارب بإسكان {الفاء} خفف فعل، كما قال الشاعر:

لَوْ عُصْرَ مِنْهُ الْبَا ... نُ وَالْمِسْكُ انْعَصَرْ

يريد لو عصر. وقرأ زيد بن رومان، وقتادة، وعيسى، ومجاهد، وحميد {كُفِرَ} بفتح الكاف والفاء مبنيًا للفاعل. فـ {من} يراد به: قوم نوح؛ أي: إنّ ما


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.