للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى، واستدراجًا لهم.

١٠٣ - {إِنَّ فِي ذَلِكَ}؛ أي: إنَّ فيما (١) نَزَل بالأمم الهالكة بذنوبهم، أو إنَّ فيما قصه الله سبحانه وتعالى من إهلاك تلك الأمم السبعة، وبيان سنته في عاقبة الظالمين. {لَآيَةً}؛ أي: لعبرة بينة وموعظةً بالغةً، وحجةً ظاهرة. {لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ}؛ أي: لمن (٢) أقر عذابَ الآخرة، وآمن به، وصدَّقه، وخافَ منه؛ لأنه يعتبر بتلك الأمم حيثُ يستدل بما حاق بهم من العذاب الشديد بسبب ما عملوا من السيئات على أحوال عذاب الآخرة، وذلك لأنَّ القَصَص المذكورة فيها عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، وقد حصَلَ الأول فيعلم العاقل أنَّ القادر على إنزال الأول قَادِرٌ على إنزال الثاني. وأمَّا مَنْ أنكر الآخرةَ، وأحال فَنَاءَ العالم، ولم يقل بالفاعل المختار، وجَعَلَ تِلك الوقائعَ لأسباب فَلَكِية اتفقت في تلك الأيام، لا لذنوب المهلكين فهو بمعزل من هذا الاعتبار، تبًّا لهم، ولما لهم من الأفكار. وعبارة أبي حيان هنا {إِنَّ فِي ذَلِكَ}؛ أي: فيما (٣) قصَّ اللَّهُ سبحانه وتعالى من أخبار الأمم الماضية، وإهلاكهم {لَآيَةً}؛ أي: لعلامة {لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ}؛ أي: أنهم إذا عذبوا في الدنيا لأجل تكذيبهم الأنبياءَ، وإشراكهم بالله، وهي دار العمل، فلأن يعذبوا على ذلك في الآخرة التي هي دار الجزاء أولى، وذلك أنَّ الأنبياء أخبروا باستئصال من كذبهم، وأشركوا بالله، ووقع ما أخبروا به وفق إخبارهم فدلَّ على أنَّ ما أخبروا به من البعث والجزاء صدق لا شكَّ فيه، انتهت.

والماديون في هذا العصر (٤)، وفي عصور سابقة كما حكاه البيضاوي عن بعض أهل عصره يقولون: إن الطوفانَ والصاعقةَ وخسفَ الأرض كل أولئك قد حَدَثَ بأسباب طبيعية لا بإرادة الله تعالى واختياره لتربية الأمم. ويكفي في الرد عليهم أن يقال: إنَّ حدوثَ هذه الأشياءِ وغيرها بالأسباب الموافقة لسنن الله في نظام العالم هو المراد بالقضاء والقدر في القرآن الكريم، والله تعالى أحدث هذه الأسبابَ في أوقات معينة بحكمته لعقاب تلك الأمم بها, ولم تكن من قبيل المصادفات.


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.