للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ طلحة بن مصرف {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ}. قال ابن علية: وهي قراءة متمكنة المعنى، ولكن قراءة الجماعة تعطي الوعيد، واستمراره في الزمان، وهو الباب في وضع المستقبل موضع الماضي. وقرأ غيرهما: {أَخْذ} على المصدر، والكاف في محل رفع على أنها خبر مقدم للمصدر المذكور بعدها؛ أي: ومثل ذلك الأخذ والإهلاك الذي مر بيانه في الأمم الماضية أخذ ربك، وإهلاكه القرية أي قرية كانت. {إِذَا أَخَذَ} وأهلك {الْقُرَى}؛ أي: أهلها، وإنما أسندَ الإهلاك إلى القرى لِلأشعار بسريان أثره إليها. {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} جملة حالية من القرى، وهي في الحقيقة لأهلها لكنها لما أُقيمت مقامهم في الأخذ أجريت عليها.

وفائدتها: الإشعارُ بأنهم أخذوا بظلمهم وكفرهم ليكونَ ذلك عبرةً لكل ظالم.

والمعنى: أي ومثل ذلك الأخذ المذكور بالعذاب، وعلى نَهجه وطريقِهِ أخذ ربك أهلَ القرى إذا أخَذَهم، وهم ظالمون أنفسَهم بالكفر، والإفساد؛ أي: إنَّ كُلَّ (١) من شارك أولئك المتقدمين في فعل ما لا ينبغي، فلا بد وأن يشاركَهم في ذلك الأخذ، فذلك عقابٌ لا مفرَّ منه، ولا مَهْرَب.

وفي هذا إنذارٌ وتحذير من سوء عاقبة الظلم لكل قرية ظالمة في كل زمان ومكان. {إِنَّ أَخْذَهُ} سبحانه وتعالى وإهلاكه للأمم {أَلِيمٌ شَدِيدٌ}؛ أي: وجيع قاسي لا يُرجَى منه الخلاص؛ أي: إنَّ عقوبته سبحانه وتعالى لمن ظلم عقوبة مؤلمة شديدة صعبة على المأخوذ والمعاقَب، لا يُرْجى مِنها الخلاص.

روى البخاري ومسلم، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذَا أخذه لم يفلته"، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، فليعتبر (٢) الظالمون بهذا, ولا يغتروا بالدين الذي ينتسبون إليه دون أن يعملوا ما يرفع عنهم غَضَب ربهم، ونقمتَه، فربما كان ذلك إملاءً منه


(١) المراح.
(٢) المراغي.