للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: هو الذي يوافق ظاهره باطنه. وقيل: هو ما أريد به وجه الله تعالى، دون غيره، وقيل: هو الإصلاح بين الناس.

والظاهر من الآية (١): أنه أمرهم بأن يقولوا قولًا سديدًا في جميع ما يأتونه ويذرونه، فلا يخص ذلك نوعًا دون نوع، وإن لم يكن في اللفظ ما يقتضي العموم، فالمقام يفيد هذا المعنى؛ لأنه أرشد سبحانه عباده إلى أن يقولوا قولًا يخالف قول أهل الأذى.

وقصةُ زينب، وبعثُهم على أن يسدِّدوا قولهم في كل باب؛ لأن حفظ اللسان وسداد القول رأس الخير كله.

حكي أن يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت - من أكابر علماء العربية - جلس يومًا مع المتوكل، فجاء المعتز والمؤيد ابنا المتوكل، فقال: أيما أحب إليك، ابناي أم الحسن والحسين؟ قال: واللهِ إن قنبرًا خادم علي رضي الله عنه خير منك ومن ابنيك، فقال: سلوا لسانه من قفاه، ففعلوا، فمات في تلك الليلة، ومن العجب أنه أنشد قبل ذلك للمعتز والمؤيد، وكان يعلِّمها فقال:

يُصَابُ اَلْفَتَى مِنْ عَثْرَةٍ بِلِسَانِهِ ... وَلَيْسَ يُصَابُ الْمَرْءُ مِنْ عَثْرَةِ الرِّجْلِ

فَعَثْرَتُهُ فِى الْقَوْلِ تُذْهِبُ رَأْسَهُ ... وَعَثْرَتُهُ فِيْ الرِّجْلِ تَبْرَا عَلَى مَهْلِ

٧١ - ثم ذكر ما لهؤلاء الذين امتثلوا الأمر بالتقوى والقول السديد من الأجر، فقال: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}؛ أي: يوفقكم للأعمال الصالحة، أو يصلحها بالقبول والإثابة عليها {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}؛ أي: يجعلها مغفورة مكفرة باستقامتكم في القول والفعل، وفيه إشارة إلى أن من وفقه الله لصالح الأعمال، فذلك دليل على أنه مغفور له ذنوبه.

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {وَ} يطع {رَسُولَهُ} محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في الأوامر والنواهي التي من جملتها هذه التكليفات، والطاعة: هي موافقة الأمر، والمعصية: هي مخالفته {فَقَدْ فَازَ} وظفر في الدارين، والفوز: الظفر بالمطلوب مع السلامة من المكروه {فَوْزًا عَظِيمًا}؛ أي: عاش في الدنيا محمودًا، وفي الآخرة


(١) الشوكاني.