٧٥ - ولما ذكر سبحانه، أنه أرسل في الأمم الماضية منذرين، وحسن عاقبة المنذرين بالكسر، وسوء خاتمة المنذرين، بالفتح ذكر تفصيل ما أجمله، فقال:{وَلَقَدْ} جواب قسم محذوف؛ أي: وعزتي وجلالي لقد {نادانا نُوحٌ} عليه السلام، ودعا واستنصر بنا على كفار قومه، لما بالغوا في إيذائه وهموا بقتله، حين دعاهم إلى الدين الحق. {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} له نحن إذ لبينا نداءه، وأهلكنا من كذب به من قومه، والنداء: الدعاء بقرينة {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}.
والمعنى (١): وبالله لقد دعانا نوح، وهو أول المرسلين حين يئس من إيمان قومه، بعدما دعاهم إليه أحقابا ودهورا، فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارًا ونفورًا، فأجبناه أحسن الإجابة، حيث أوصلناه إلى مراده من نصرته على أعدائه، والانتقام منهم بأبلغ ما يكون، فوالله لنعم المجيبون نحن، فحذف ما حذف ثقة بدلالة ما ذكر عليه، والجمع دليل العظمة والكبرياء.
أخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى في بيتي فمر بهذه الآية: {وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥)} قال: «صدقت ربنا أنت أقرب من دُعي، وأقرب من بُغي، فنعم المدعو، ونعم المُعطي، ونعم المسؤول، ونعم المولى، أنت ربنا، ونعم النصير».
٧٦ - ثم بيّن سبحانه، أن الإنعام حصل في الإجابة من وجوه:
١ - {وَنَجَّيْناهُ}، أي: ونجينا نوحًا {وَأَهْلَهُ}؛ أي: وأهل دينه، وهم من آمن معه، وكانوا ثمانين، {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} والغرق العميم، وقيل: من أذى قومه دهرًا طويلًا، ومن كل ما يكربه ويسوؤه، والكرب: الغم الشديد كما سيأتي في مبحث اللغة.
٢ - ٧٧ {وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ} ونسله {هُمُ} فحسب {الْباقِينَ} في الدنيا دون غيرهم،