قال في "القاموس": الخريف كأمير: ثلاثة أشهر بين القيظ والشتاء، تخترف فيها الثمار؛ أي: تجنى. وعنه - صلى الله عليه وسلم -: "يكلف أن يصعد عقبة في النار، كلما وضع يده عليها ذابت، فإذا رفعها عادت، وإذا وضع رجله ذابت، فإذا رفعها عادت".
والمراد أنه سيلقى العذاب الشديد الذي لا يطاق، وقد جعل الله ما يسوق إليه من المصائب وأنواع المشاق شبيهًا بمن يكلّف صعود الجبال الوعرة الشاقّة. قال قتادة: سيكلّف عذابًا لا راحة فيه.
١٨ - ثم حكى كيفية عناده فقال: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨)} تعليل لما تقدم من الوعيد؛ أي: إنه فكر في شأن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي شأن ما أنزل عليه من القرآن، وقدّر في نفسه واختلق ما يقول في طعنهما من المقال، وهيأه مما يوافق غرض قريش.
والخلاصة: أنه فكر وتروى ماذا يقول فيه، وبماذا يصفه به حين سئل عن ذلك؟
١٩ - ثم عجب من تقديره وإصابته غرضهم، فقال: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩)}؛ أي: لعن وعذب كيف قدر؛ أي: على أيّ حال قدر ما قدر من الكلام فيه مما لا يصح تقديره، وما لا يسوغ أن يقدره عاقل، كما يقال في الكلام: لأضربنه كيف صنع؛ أي: لعن علي أيّ حال كانت منه؛ أي: فلعن في الدنيا على أيّ كيفية أوقع تقديره.
٢٠ - والتكرير في قوله: {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠)} للتأكيد والمبالغة في التشنيع؛ أي: ثم لعن فيما بعد الموت في البرزخ والقيامة على أفي حال كانت تقديره، والمراد من اللعن: الدعاء عليه بالطرد والإبعاد بسبب ما قدّره، وقاله في النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أنّه ساحر، كما مرّ في أسباب النزول.
وهذا أسلوب يراد به التعجيب والثناء على المحدَّث عنه. تقول العرب: فلان قاتله الله ما أشجعه وأخزاه الله ما أشعره، يريدون أنّه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد، ويدعو عليه حاسده بذلك. وعلى هذا النحو جاء قوله تعالى:{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
وقصارى ذلك: أنّ هذا تعجيب من قوة خاطره وإصابته الغرض الذي كانت ترمي إليه قريش من الطعن الشديد في القرآن، فقوله جاء وفق ما كانوا يريدون وطبق ما كانوا يتمنون من القدح فيه، وفيمن جاء به. ثم كرر هذا الدعاء للتأكيد والمبالغة