{يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}؛ أي: يا أصحاب العقول الكاملة الذين يعرفون المصالح من المفاسد، وخص أرباب العقول بالنداء، للدلالة على أن الذي يفهم قيمة الحياة، ويحافظ عليها هم العقلاء، كما أنهم هم الذين يفقهون سر هذا الحكم وما اشتمل عليه من المصلحة والحكمة، فعليكم أن تستعملوا عقولكم في فهم دقائق الأحكام.
ولما كان القصاص حياةً لكم .. كتبناه عليكم، وشرعناه لكم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ أي: لكي تتقون الاعتداء، وتكفون عن سفك الدماء، وتنتهون عن القتل مخافةَ القصاص؛ لأن العاقل يحرص على الحياة، ويحترس من غوائل القصاص، ولا يريد إتلاف نفسه بتلاف غيره.
١٨٠ - ولما كان الكلام في الآية السابقة في القصاص في القتل؛ وهو ضَرْبٌ من ضروب الموت .. ناسب أن يذكر ما يطلب ممن يحضره الموت من الوصية، فقال:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ}؛ أي: فرض عليكم يا معشر المؤمنين {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}؛ أي: إذا حضرته ونزلت به أسباب الموت، وعلله، ومقدماته، والأمراض المخوفة {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا}؛ أي: مالًا كثيرًا كان، أو قليلًا {الْوَصِيَّةُ} مرفوع بـ {كُتِبَ}؛ أي: كتب عليكم الإيصاء {لِلْوَالِدَيْنِ}؛ أي: للأبوين وإن عليا {و} لو {الأقربين} غيرهما، وهو من عطف العام على الخاص.
كانت الوصية في ابتداء الإِسلام فريضة للوالدين والأقربين على من مات وله مال، وسبب ذلك أن أهل الجاهلية كانوا يوصون للأبعدين طلبًا للفخر والشرف والرياء، ويتركون الأقربين فقراء، فأوجب الله تعالى الوصية للأقربين، ثم نسخت هذه الآية بآية المواريث، وبما روي عن عمرو بن خارجة رضي الله عنه قال: كنت آخذ بزمام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب فسمعته يقول:"إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث" أخرجه النسائي، وللترمذي نحوه.
وهي مستحبة في حق من لا يرث، ويدل على استحباب الوصية، والحث عليها ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما حُقَّ لامرىء مسلم له شيء يوصي فيه - وفي رواية: له شيء يريد أن يوصي به - أن