للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتعجيل قراه، والقيام بنفسه في خدمته، وروي: أنّ الله تعالى أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: أكرم أضيافك، فأعدَّ لكل منهم شاةً مشوية، فأوحى إليه: أكرم، فجعله ثورًا، فأوحى إليه: أكرم، فجعله جملًا، فأوحى إليه: أكرم، فتحير فيه، فعلم أنّ إكرام الضيف ليس في كثرة الطعام، فخدمهم بنفسه، فأوحى إليه: الآن أكرمت الضيف، وقال بعض الحكماء (١): لا عار للرجل ولو كان سلطانًا أن يخدم ضيفه، وأباه ومعلمه، ولا تعتبر الخدمة بالإطعام.

٢٥ - وقوله: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} ظرف للحديث، فالمعنى: هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه. {فَقَالُوا سَلَامًا}؛ أي: نسلم عليك سلامًا، و {الفاء} هنا: إشارة إلى أنهم لم يخلوا بأدب الدخول. {قَالَ} إبراهيم {سَلَامٌ}؛ أي: عليكم سلام، فهو مبتدأ، خبره: محذوف، وترك العطف قصدًا إلى الاستئناف، فكأنّ قائلًا قال: ماذا قال إبراهيم في جواب سلامهم؟ فقيل: قال سلام؛ أي: حيّاهم بتحية أحسن من تحيتهم؛ لأنّ تحيّتهم كانت بالجملة الفعلية، الدالّة على الحدوث، حيث نصبوا {سَلَامًا} وتحيّته بالاسمية الدالة على دوام السلام، وثباته لهم حيث عدل به إلى الرفع بالابتداء.

وقرأ الجمهور (٢): {فَقَالُوا سَلَامًا} بالنصب على المصدر السادّ مسدّ فعله المستغني به. {قَالَ سَلَامٌ} بالرفع، وقرىء: بالرفع في الموضعين، وقرىء: بالنصب فيهما، وقرأ ابن وثّاب والنخعيّ وابن جبير وطلحة: {قال سلم}، بكسر السين وإسكان اللام، والمعنى: نحن سلم، أو أنتم سلم.

وقوله: {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: قال إبراهيم في نفسه، أو لمن كان معه من أتباعه وغلمانه، بحيث لا يسمع ذلك الأضياف، هؤلاء قوم منكرون؛ أي: مجهولون لنا لا نعرفهم، فهم منكرون عند كل أحد، وكانوا على أوضاع وأشكال خلاف ما عليه الناس، وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض, لأنّ السلام لم يكن تحيّتهم؛ لأنّه كان بين أظهر قوم


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.