للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {يَقُولُونَ} استئناف (١) بياني واقع في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا يصنعون عند ذلك؟ فقيل: يقولون متحسرين على ما فاتهم: {يَا لَيْتَنَا}؛ أي: يا هؤلاء ليتنا {أَطَعْنَا اللَّهَ}؛ أي: نتمنى أن نطيع الله في دار الدنيا فيما أمرنا به، ونهانا عنه، فالمنادى محذوف كما قدرنا، ويجوز أن تكون {يا} لمجرد التنبيه من غير قصد إلى تعيين المنبه {وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} فيما دعانا إليه من الحق، فلن نبتلى بهذا العذاب، فتمنوا حين لا ينفعهم التمني؛ أي: ويقولون إذ ذاك على طريق التمني: ليتنا أطعنا الله في الدنيا، وأطعنا رسوله فيما جاءنا به من أمر ونهي، فما كنا نبتلى بهذا العذاب، بل كنا مع أهل الجنة في الجنة، فيا لها من حسرة وندامة ما أعظمها وأجلها:

نَدِمَ الْبُغَاةُ وَلاَتَ سَاعَةُ مَنْدَمِ ... وَالْبَغْيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيْهِ وَخِيْمُ

ونحو الآية قوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (٢٧) وقوله: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (٢)}.

وهذه الألف في (٢) {الرَّسُولَا} والألف التي ستأتي في {السبيلا} هي الألف التي تقع في الفواصل، ويسميها النحاة: ألف الإطلاق؛ لمد الصوت بها؛ لأن أواخر آيات هذه السورة الألف، والعرب تحفظ هذا في خطبها وأشعارها.

٦٧ - ثم ذكر بعض معاذيرهم بإبقائهم التبعة على من أضلوهم من كبرائهم وسادتهم بقوله: {وَقَالُوا}؛ أي: وقال الأتباع من الكافرين، فهو معطوف على {يَقُولُونَ}، والعدول (٣) إلى صيغة الماضي للإشعار بأن قولهم هذا ليس مستمرًا كقولهم السابق، ولا مسببًا عنه، بل هو ضرب اعتذار أرادوا به ضربًا من التشفِّي بمضاعفة عذاب الذين ألقوهم في تلك الورطة، وإن علموا عدم قبوله في حق خلاصهم منها.

أي: يقولون يومئذ وهم في جهنم: {رَبَّنَا}؛ أي: يا مالك أمرنا {إِنَّا أَطَعْنَا} وامتثلنا {سَادَتَنَا}؛ أي: أئمتنا في الضلالة، يعنون: قادتهم ورؤساءهم الذين لقنوهم الكفر، وأمروهم به {وَكُبَرَاءَنَا}؛ أي: عظماءنا منزلةً في الكفر والدنيا؛ أي:


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) أبو السعود.