للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهذه الأوصاف شروط في النهي عن اتخاذ البطانة من غير المسلمين فإذا اعتراها تغير وتبدلٌ كما وقع من اليهود، فبعد أن كانوا في صدر الإِسلام أشد الناس عداوةً للذين آمنوا انقلبوا؛ فصاروا عونًا للمسلمين في فتوح الأندلس، وكما وقع من القبط إذ صاروا عونًا للمسلمين على الروم في فتح مصر؛ فلا يمنع حينئذٍ اتخاذهم أولياء وبطانة للمسلمين، فقد جعل عمر بن الخطاب رجال دواوينه من الروم وجرى الخلفاء من بعده على ذلك.

وقيل: معنى قوله: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}؛ أي: قد أظهرنا لكم الدلالات الواضحة التي يتميز بها الولي من العدو ومن يصح أن يتخذ بطانة، ومن لا يصح أن يتخذ لخيانته وسوء عاقبة مباطنته إن كنتم تدركون حقائق هذه الآيات التي تفرق بين الأعداء والأولياء، وتعلمون قدر مواعظ الله، وحسن عواقبها.

ثم ذكر سبحانه وتعالى نوعًا آخرَ من التحذير عن مخالطة الكافرين، واتخاذهم بطانةً، وفيه تنبيهٌ للمسلمين على خطئهم في ذلك، وقد ضمنه أمورًا ثلاثة كل منها يستدعي الكف عن مخالطتهم:

١١٩ - الأول منها: ما ذكره بقوله: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}؛ أي: انتبهوا أنتم يا معشر المؤمنين المخطئين في موالاتهم تحبونهم، وتودونهم بسبب ما بينكم وبينهم من الرضاعة، والمصاهرة، وبسبب أنهم أظهروا لكم الإيمان ومحبة الرسول محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بأن تفشوا إليهم أسراركم {وَلَا يُحِبُّونَكُمْ} بسبب المخالفة في الدين، وبسبب أن الكفر مستقر في باطنهم أي: لا يفشون أسرارهم إليكم.

والمعنى (١): إنكم يا معشر المؤمنين تحبون هؤلاء - الكفار - الذين هم أشد الناس عداوةً لكم، ولا يقصرون في إفساد أمركم وتمني عنتكم، ويظهرون لكم العداوة والغش، ويتربصون بكم ريب المنون، فكيف توادونهم وتواصلونهم.


(١) المراغي.