للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسوله أشد حرًّا في تلك الأيام في أوائل فصل الخريف، إذ هذا الحر مما تحتمله الجسوم، ولا يلبث أن يخف ويزول، ونار جهنم حرها شديد دائم، يلفح الوجوه، وينضج الجلود، فهم لو كانوا يعقلون ذلك، ويعتبرون به .. لما خالفوا وقعدو، ولما فرحوا بقعودهم، بل لحزنوا وبكوا كما فعل المؤمنون الذين أرادوا الخروج والنفقة فعجزوا.

٨٢ - {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا}؛ أي: فليضحك (١) هؤلاء الذين تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فرحين بمقعدهم خلافه قليلًا في الدنيا {وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} في الآخرة مكان ضحكهم في الدنيا، وهذا وإن ورد بصيغة الأمر، إلا أن معناه الإخبار.

والمعنى: إنهم وإن فرحوا وضحكوا طول أعمارهم في الدنيا، فهو قليل بالنسبة إلى بكائهم في الآخرة؛ لأن الدنيا فانية والآخرة باقية، والمنقطع الفاني بالنسبة إلى الدائم الباقي قليل، وإنما جيء (٢) بهما على صيغة الأمر للدلالة على أن ذلك أمر محتوم، لا يكون غيره، وانتصاب {جَزَاءً} على المصدرية بعامل محذوف، تقديره: يجزون ذلك البكاء الكثير في الآخرة جزاءً {بـ} سبب {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَـ} ـه في الدنيا من المعاصي؛ أي: يجزون به جزاء على ما يقولونه، ويعملونه من المعاصي. أو المعنى (٣): إن الأجدر بهم، بحسب ما تقتضيه حالهم، وتستوجبه جريمتهم، أن يضحكوا قليلًا ويبكوا كثيرًا في الدنيا، لو كانوا يفقهون ما فاتهم بالتخلف من أجر، وما سيحملونه في الآخرة من وزر، وما يلاقونه في الدنيا من خزي وضرٍّ، جزاء لهم على ما اجترحوا من العصيان، وارتكبوا من الإثم والبهتان، وكما يدين الفتى يدان.

ونحو الآية قوله - صلى الله عليه وسلم -: لو تعلمون ما أعلم .. لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا يظهر النفاق، وترتفع الأمانة وتقبض الرحمة، ويتهم الأمين، ويؤتمن غير الأمين،


(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.