للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تُرْحَمُونَ}؛ أي: لتكون رحمته مرجوة لكم في الدنيا والآخرة إن قبلتموه ولم تخالفوه. والمعنى (١): هذا القرآن العظيم كتاب أنزلناه من اللوح المحفوظ ليلة القدر إلى سماء الدنيا في بيت العزة، ثم نزل مفرقا على حسب الوقائع مبارك كثير الخير والمنافع في الدنيا بالشفاء به، والأمن من الخسف والمسخ والضلال، وفي الآخرة بتلقي السؤال عن صاحبه وشهادته له وكونه ظلّة على رأسه في حر الموقف والرقي إلى الدرجات العلا.

وقال التبريزي (٢): في الكلام إشارة، وهو وصف الله التوراة بالتمام، والتمام يؤذن بالانصرام، قال الشاعر:

إذا تمّ أمر بدا نقصه ... توقّع زوالا إذا قيل تمّ

فنسخها الله بالقرآن ودينها بالإسلام، ووصف القرآن بأنه مبارك في مواضع كثيرة، والمبارك هو الثابت الدائم في ازدياد، وذلك مشعر ببقائه ودوامه.

١٥٦ - وقوله: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ} الْكِتابُ علة لمعلول محذوف تقديره: وأنزلنا إليكم يا أهل مكة هذا القرآن المرشد إلى توحيد الله وطريق طاعته وتزكية النفوس من أدران الشرك بلغتكم كراهية {أَنْ تَقُولُوا} يوم الحساب والجزاء معتذرين عن شرككم وإجرامكم ما جاءنا كتاب نفهمه بلغتنا {إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ}؛ أي: التوراة والإنجيل {عَلى طائِفَتَيْنِ}؛ أي: فريقين {مِنْ قَبْلِنا} وهما اليهود والنصارى {وَإِنْ كُنَّا}؛ أي: وقد كنا، وقيل: وإنه كنا {عَنْ} معرفة ما في كتبهم وفهم {دِراسَتِهِمْ} وقراءتهم للكتاب الذي أنزل عليهم {لَغافِلِينَ}؛ أي: لجاهلين لا ندري ولا نعلم ما هي؛ لعدم فهمنا ما يقولون، لأنها بلغة غير لغتنا، ولأنهم أهله دوننا، ولأنا لم نؤمر بما فيه، ولغلبة الأمية علينا.

والمراد بهذه الآية: إثبات الحجة على أهل مكة وقطع عذرهم بإنزال القرآن بلغتهم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كي لا يقولوا يوم القيامة: إن التوراة والإنجيل أنزلا


(١) الصاوي.
(٢) البحر المحيط.