قال تعالى:{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} يعني أن كفاركم مثل أولئك الكفار المعدودين قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وآل فرعون، فهم في اقتراح تلك الآيات كالباحث عن حتفه بظلفه، قال حسّان بن ثابت رضي الله عنه:
وأصله: أن رجلًا وجد شاة، وأراد ذبحها فلم يظفر بسكين، وكانت مربوطةً، فلم تزل تبحث برجليها حتى أبرزت سكينًا كانت مدفونة، فذبحها بها، يضرب في مادة تودي صاحبها إلى التلف، وما يورط الرجل فيه نفسه.
وفيه تنبيه على أن عدم الإتيان بالمقترح للترحم بهم، إذ لو أتي به لم يؤمنوا، واستوجبوا عذاب الاستئصال كمن قبلهم، وقد سلف وعده تعالى في حق هذه الأمة أن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة. ومعنى الآية؛ أي: إنَّ هؤلاء أشد عتوًا من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات، ووعدوا أنهم يؤمنون حين مجيئها، فلما جاءتهم نكثوا العهد، وخالفوا، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فلو أعطوا ما اقترحوا ... لكانوا أشد نكثاً، فينزل بهم عذاب الاستئصال، وقد سبقت كلمة ربك أنه يؤخر عذابهم إلى اليوم المعلوم.
قال قتادة: قال أهل مكة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا كان ما تقوله حقًا، ويسرُّك أن نؤمن فحول لنا الصفا ذهبًا، فأتاه جبريل فقال: إن شئت .. كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا، وإن شئت استأنيت بقومك؟ قال:"بل أستأني بقومي" فأنزل الله {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ} الآية كما سبق في مبحث الأسباب.
٧ - ثم أجاب سبحانه عن قولهم: هل هذا إلّا بشر مثلكم بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} أيها الرسول رسولًا إلى أمة من الأمم التي خلت من قبلك {إِلَّا رِجَالًا} أمثالهم {نُوحِي إِلَيْهِمْ} ما نريد من أمرنا ونهينا، لا ملكا نوحي إليهم بوساطة الناموس ما نوحي من الشرائع والأحكام، والقصص والأخبار، فما بالهم لا يفهمون أنك لست بدعًا من الرسل.