للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله تعالى، وإخباره عن الغيوب بإعلام الله إياه ذلك، وهذا مما لا سبيل لأحد من البشر إليه إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. {إِنَّ فِي ذَلِكَ} المذكور الذي قلته لكم من خلق الطير من الطين، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، والإخبار عن المغيبات {لَأَيَة}؛ أي: لمعجزة قوية دالة على صحة رسالتي دلالة واضحة {لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ومصدقين للحق غير معاندين انتفعتم بهذه الآيات. وقرأ الجمهور: {تَدَّخِرُونَ} بذال مشددة. وقرأ مجاهد والزهري وأيوب السختياني: {تذخرون} بذال ساكنة وخاء مفتوحة. وقرأ أبو شعيب السوسي: {وما تذدخرون} بذال ساكنة ودال مفتوحة من غير إدغام، وهذا الفك جائز، وقراءة الجمهور بالإدغام أجود، وما عداه شاذ.

وتقدم أن في مصحف عبد الله بن مسعود: {لآيات} بالجمع، فمن أفرد أراد الجنس، وهو صالح للقليل والكثير.

٥٠ - {وَمُصَدِّقًا} عطف ومصدقًا على قوله: بآية؛ إذ الباء فيه للحال، ولا تكون للتعدية؛ لفساد المعنى، فالمعنى: وجئتكم مصحوبًا بآية من ربكم، ومصدقًا {لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ}؛ أي: لما قبلي {مِنَ التَّوْرَاةِ} ومؤيدًا لها، ومعنى تصديقه للتوراة: الإيمان بها وإن كانت شريعته تخالفها في أشياء، وبين موسى وعيسى ألف سنة وتسع مئة سنة وخمس وسبعون سنة.

والخلاصة: أي وجئتكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة، لا ناسخًا لها، ولا مخالفًا شيئًا من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل مما كان مشددًا عليهم فيها، وهو الذي ذكره بقوله {و} جئتكم {لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم}؛ أي: ولأحل لكم بعض الطيبات التي حرمت عليكم في شريعة موسى بسبب ظلمكم، وكثرة سؤالكم؛ كما قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} من الشحوم والشروب، وهي شحم الكرش والأمعاء رقيق للبقر والغنم ولحوم الإبل، ومما لا صيصية له؛ أي: شوكة يؤذي بها من السمك والطير، ومن العمل في يوم السبت، وهذا لا يقدح في كونه مصدقًا للتوراة؛ لأن النسخ تخصيص في الأزمان.