للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ساكنة لا تميد ولا تضطرب، بما جعل فيها من الجبال، وأوجد فيها من العيون لسقيكم وسقي أنعامكم وزروعكم وثماركم، وسلك فيها السبل، فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أرجائها لأنواع المكاسب والتجارات، وكلوا مما أوجده لكم فيها بفضله من واسع الأرزاق. والسعي في الأرزاق لا ينافي التوكل على الله، روى أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا"، فأثبت لها غدوًّا ورواحًا لطلب الرزق مع توكلها على الله عَزّ وَجَلّ، وهو المسخر الميسر المسبب.

وأخرج الحكيم الترمذي عن معاوية بن قرّة قال: مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوم فقال: من أنتم؟ فقالوا: المتوكلون، قال: بل أنتم المتأكلون، إنما المتوكل رجل ألقى حبه في بطن الأرض وتوكل على الله عز وجل. وجاء في الأثر: "إن الله يحبّ العبد المؤمن المحترف".

وفي الآية: إيماء إلى ندب التجارة والتكّسب بجميع ضروبه، وفيها تهديد للكافرين؛ كأنّه قال لهم: إني عالم بسركم وجهركم فاحترسوا من عقابي، فهذه الأرض التي تمشون في مناكبها أنا الذي ذللتها لكم وجعلتها سببًا لنفعكم، وإن شئت .. خسفتها بكم، وأنزلمت عليها ألوانًا من المحن والبلاء. {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} أي: وإليه المرجع يوم القيامة؛ فينبغي أن تعلموا أنَّ مكثكم في الأرض وأكلكم مما رزقكم الله فيها مكث من يعلم أن مرجعه إلى الله ويستيقن أن مصيره إليه؛ فاحذروا الكفر والمعاصي في السر والعلن.

١٦ - والهمزة الأولى (١) في قوله: {أأَمِنْتُمْ} للاستفهام التوبيخيّ، والثانية فاء الكلمة؛ أي: هل أمنتم أيها المشركون {مَنْ فِي السَّمَاءِ} وهو الله سبحانه وتعالى قال في "فتح الرحمن": هذا المحل من المتشابه الذي استأثر الله بعلمِهِ، ونؤمن به ولا نتعرضُ لمعناه، ونكل العلم فيه إلى الله. (قلت): والمذهب الأسلم الذي عليه السلف أن نثبت الظرفية في السماء لله تعالى، فإذًا نقول الكون في السماء صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها، ولا نكيّفها، ولا نمثّلها، كما أن الاستواء على


(١) روح البيان.