للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليهم رحمة، وإنْ العباد عصوني .. جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشغلوا بسب الملوك، ولكن توبوا إليَّ أعطفهم عليكم. وهو معنى قوله عليه السلام: "كما تكونوا يولى، عليكم" وقيل معنى: {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}؛ أي: يرزقه بلا تكلف ولا تعب ولا ضيق؛ أي: ومن غير توقف على عمل منا، وإلا فلو توقف رزقه على عمل منا .. لما أعطانا شيئًا أبدًا، فسبحان الحليم الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه.

وقال أبو العباس المقري (١): ورد لفظ الحساب في القرآن على ثلاثة أوجه: بمعنى: التعب، كما في هذه الآية، وبمعنى: العدد، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وبمعنى: المطالبة؛ كما في قوله تعالى: {فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

وشدد حفص ونافع وحمزة والكسائي (٢): {الْمَيِّتِ} في هذه الآية. وفي الأنعام والأعراف ويونس والروم وفاطر زاد نافع تشديد الياء في قوله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} في الأنعام، {والأرض الميتة} في يونس، و {لحم أخيه ميتًا} في الحجرات، وقرأ الباقون بتخفيف ذلك، ولا فرق بين التشديد والتخفيف في الاستعمال؛ كما نقول: لَيْن ولَيِّن وهيْن وهيّن، ومن زعم أن المخفف لما قد مات، والمشدد لما لم يمت .. فيحتاج إلى دليل.

٢٨ - {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ}؛ أي: لا يجعل المؤمنون {الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ}؛ أي: أصدقاءً وأنصارًا وأعوانًا {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: من غير المؤمنين وسواهم؛ أي (٣): لا يوال المؤمنون الكافرين لا استقلالًا ولا اشتراكًا مع المؤمنين، وإنما الجائز لهم قصر الموالاة والمحبة على المؤمنين بأن يوالي بعضهم بعضًا فقط، فقوله: {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} حال من الفاعل؛ أي: حال كون المؤمنين متجاوزين بموالاتهم المؤمنين؛ أي: تاركين قصر الولاية عليهم، وذلك الترك يصدق


(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.