للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأوقات الزّراعة، وأوقات الدّين كأوقات الصلاة والحج والصوم اهـ شيخنا؛ إذ لو كان الزمان كله نسقًا واحدًا .. لما عرف شيء من هذا كما قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَدًا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣)}. {وَكُلَّ شَيْءٍ} لكم إليه حاجة في مصالح دينكم ودنياكم قد {فَصَّلْناهُ} لكم في القرآن {تَفْصِيلًا} بيِّنًا، وبيناه لكم تبيينًا واضحًا لا يلتبس، وعند ذلك تنزاح العلل، وتزول الأعذار، ليهلك من هلك عن بينة، ولهذا قال: {وَكُلَّ إِنسانٍ}.

والخلاصة: وكل (١) شيء تفتقرون إليه في المعاش والمعاد، بيناه في القرآن بيانًا بليغًا لا التباس معه، فأزحنا عللكم، وما تركنا لكم حجة علينا، فليتّبع العاقل ما أدركه؛ أي: لحقه علمه، وليفوض ما جهله منه إلى ذي العلم،

١٣ - {وَكُلَّ إِنسانٍ} مكلف مؤمنًا كان أو كافرًا، ذكرًا أو أنثى، عالمًا أو أميًا، سلطانًا أو رعيةً، حرًا أو عبدًا، {أَلْزَمْناهُ}؛ أي: ألزقناه {طائِرَهُ}؛ أي: عمله الصادر عنه باختياره، حسبما قدّر له من خير أو شر، كأنّما طار إليه من عش الغيب ووكر القدر وقلّدناه {فِي عُنُقِهِ}، وذكر العنق كناية عن شدة اللزوم، أي: ألزمناه عمله كلزوم القلادة في عنقه، بحيث لا يفارقه عمله أبدًا؛ فإن كان خيرًا .. كان زينة له، كالطوق، وإن كان شرا .. كان شينا له، كالغل على رقبته، وقرىء {عُنُقِهِ} بسكون النون؛ ذكره في «البحر».

وإنما كنّى عن العمل بالطير (٢)؛ لأن العرب إذا أرادوا الإقدام على عمل، اعتبروا أحوال الطير، فهل يطير متيامنًا، أو متياسرًا، أو صاعدًا إلى الجو، إلى غير ذلك، فيستدلون بكل واحد منها على الخير والشر، والسعادة والنحوسة، فلما كثر ذلك منهم، سمي نفس الخير والشر بالطائر، تسمية للشيء باسم لازمه،


(١) روح البيان.
(٢) المراح.