والمعنى: أي ولقد أنذرهم نبيهم بأس الله وعذابه قبل حلوله بهم، فما التفتوا إلى ذلك، ولا أصغوا إليه، بل شكوا فيه، وتماروا به.
٣٧ - ثم بين جرمهم الذي استحقوا به العذاب، فقال:{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ}؛ أي: وعزّتي وجلالي، لقد طالب قوم لوط نبيهم لوطًا عليه السلام بالتمكين لهم {عَنْ ضَيْفِهِ}؛ أي: طلبوا منه ضيوفه. وهم الملائكة الذين جاؤوا في صورة شباب مرد حسان محنة من الله لهم. إذ قد بعثت إليهم امرأته عجوزة السوء، فأعلمتهم بأضيافه، فأقبلوا إليه يهرعرن من كل مكان، فأغلق لوط عليهم الباب، فجعلوا يعالجونه ليكسروه، وهو يدافعهم، ويمانعهم دون أضيافه، ويقول لهم: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، فقالوا له: لقد علمت ما لنا في بناتك أرب، وإنك لتعلم ما نريد؛ فلما اشتد بينهم الصراع، وأبوا إلا الدخول طمس الله أبصارهم، فلم يروا شيئًا. وهذا ما عناه سبحانه بقوله:{فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ}؛ أي: فمسحناها، وسويناها كسائر الوجه، بحيث لم ير لها شق. روي: أنهم لما دخلوا داره عنوة صفقهم جبريل بجناحه صفقة، فتركتهم يترددون لا يهتدون إلى الباب، حتى أخرجهم لوط. والصفق: الضرب الذي ليس له صوت.
والخلاصة: ولقد أرادوا من لوط تمكينهم ممن أتاه من أضيافه. وهم الملائكة في صورة الشبان، ومعهم جبريل. وقصدوا الفجور بهم ظنًّا منهم أنهم بشر، فطمسنا أعينهم، فجعل بعضهم يجول في بعض، ولا يرون شيئًا، ويقولون: أين ضيوفك؟. وقد تقدم تفصيل ذلك في سورة هود.
والمعنى: صيّرنا أعينهم ممسوحة لا يرى لها شق، كما تطمس الريح الأعلام بما تسف عليها من التراب. وقيل: أذهب الله نور أبصارهم مع بقاء الأعين على صورتها. قال الضحاك: طمس الله على أبصارهم، فلم يروا الرسل، فرجعوا. وقرأ الجمهور {فَطَمَسْنَا} بتخفيف الميم، وابن مقسم بتشديدها.
{فَذُوقُوا}؛ أي: فقلنا لهم على ألسنة ملائكتنا: {ذُوقُوا عَذَابِي}؛ أي: عذاب طمس الأعين، وما بعده مما سيأتي. {وَنُذُرِ}؛ أي: وجزاء إبائكم وامتناعكم من قبول إنذارتي بعد أن أنذرتكم على سوء أفعالكم، وقبيح خلالكم.