للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالإساءة. والأصحَّ أنَّ الضمير في {إِنَّهُ} أن يعود على الله سبحانه وتعالى، والمعنى: أي: إنَّ الله ربِّي أحسن مثوايَ إذ نجَّاني من الجبِّ، وأقامني في أحسن مقام، إذ لا يطلق نبي كريم على مخلوق أنه ربي، ولا بمعنى السيد؛ لأنه لم يكن في الحقيقة مملوكًا له، وجملة قوله: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} تعليل آخر للامتناع منه عن إجابتها. والفلاحُ: الظفرُ أي: إنَّ الشأنَ والحال لا يَسْعَدَ ولا يظفر الظالمون لأنفسهم وللناس بجناية وتعد على الأعراض، لا في الدنيا ببلوغ الإمامَةِ والرياسةِ، ولا في الآخرة بالوصول إلى رضوان الله تعالى، ودخول جنات النعيم. وقيل: المعنى: لا يُفْلِحُ المجازون الإحسانَ بالإساءةِ. وقيل: المعنى: لا يُفْلِحُ الزناة.

وفي هذا إيماء (١) إلى الاعتزاز بربه، والأمانة لسيده، والتعريض بخيانة امرأته، واحتقارها بما أضمر نار الغيظ في صدرها. وقرأ (٢) أبو الطفيل والجحدري: {مثوي} كما قرأ: {يا بشرى} وما أحسنَ هذا التنصل من الوقوع في السوء، استعاذَ أولًا بالله الذي بيده العصمةُ وملكوتُ كل شيءٍ. ثم نبَّه على أنَّ إحسانَ الله، أو إحسان العزيز الذي سَبَقَ منه لا يُناسِبُ أن يجازيَ بالإساءة. ثمَّ نفَى الفلاح عن الظالمين، وهو الظفر، والفوز بالبغية، فلا يناسب أن أكون ظالِمًا أضع الشيء في غير موضعه، وأَتَعَدَّى ما حَدَّه الله تعالى لي.

٢٤ - {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد همَّتْ زُليخًا بيوسف عليه السلام، وقصدَتْ مخالطةَ يوسف، ومجامَعَتَهُ إياها؛ أي: قَصدَتْها (٣) وعَزَمَتْ عليها عَزْمًا جازمًا، بَعدما باشرَتْ مَباديها من المراودة، وتغليق الأبوابِ، ودَعْوته إلى نفسها بقولها: هَيْتَ لك، ولعلَّها تصدَّتْ هنالك لأفعال أُخَر من بَسْطِ يدِهَا إليه، وقَصْد المعانقة، وغير ذلك مما يضطره إلى الهرب، نحو الباب، والتأكيدُ لِدَفْعِ ما عسى يتوهم من اختصاص إقلاعها عما كانت عليه بما في مقالته من


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.