للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بَيْنَنا} يعني نفسه وأخاه هارون؛ أي فافصل بيننا {وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}؛ أي: الخارجين عن طاعتك بقضاء تقضيه بيننا وبينهم، فتحكم لنا بما نستحق، وعليهم بما يستحقون، فقد صرنا خصمًا لهم، وصاروا خصمًا لنا، والغرض منه الدعاء عليهم. وقيل: إنَّ المعنى: أنك إذا أخذتهم بالعقاب على قسوتهم .. فلا تعاقبنا معهم في الدنيا، وإنَّما قال ذلك تقليلًا لمن يوافقه، ويجوز أن يكون المعنى: إلا نفسي ومن يؤاخيني في الدين، فعلى هذا الاحتمال يدخل الرجلان في قوله: {وأخي}. وقرأ عبيد بن عمير ويوسف بن داود: {فافرِق} بكسر الراء، وقال الراجز:

يَا رَبُّ فَافْرِقْ بَيْنَهُ وَبَيْنِي ... أَشَدَّ مَا فَرَّقْتَ بَيْنَ اثْنَيْنِ

وقرأ ابن السميقع: {ففرق}.

٢٦ - {قَالَ} الله سبحانه وتعالى لموسى مجيبًا دعوته: يا موسى {فَإِنَّهَا}؛ أي: فإن الأرض المقدسة {مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ}؛ أي: ممنوع عليهم الدخول فيها أبدًا حتى يموتوا ويدخلها أبناؤهم. والمراد بالتحريم: تحريم منع وفعل، لا تحريم تعبد وتكليف، فلا يدخلونها ولا يملكونها بسبب عصيانهم، نظير قوله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ}، وكون التحريم مؤبدًا إنْ قلنا إن الكلام تم عند قوله. {مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} وقوله: {أَرْبَعِينَ سَنَةً} ظرف لقوله: {يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ}؛ أي: يسيرون في البرية مدة أربعين سنة، تائهين متحيرين لا يدرون أين مصيرهم. وقيل: معناه أن الأرض المقدسة محرمة عليهم أربعين سنة، ثم يدخلونها وتفتح لهم، وعلى هذا القول فأربعين سنة ظرف لقوله: {مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} فلما (١) انقضت مدة أربعين سنة .. خرج بهم يوشع بن نون عليه السلام أو بمن بقي منهم وبسائر بني إسرائيل من الجيل الثاني، فقصد بهم بيت المقدسة فحاصرها، فكان فتحها يوم الجمعة بعد العصر. فلمَّا تضيفت الشمس للغروب وخشي دخول السبت عليهم قال: إنَّك مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها عليّ، فحبسها الله تعالى


(١) ابن كثير.