للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والثالثة نفخة البعث، وقيل: إنها نفختان، وإن نفخة الفزع إما أن تكون راجعة إلى نفخة الصعق، أو إلى نفخة البعث، واختار هذا القول القشيري والقرطبي وغيرهما.

{إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} سبحانه أن لا يفزع عند تلك النفخة بأن يثبت قلبه، وهم الأنبياء والمرسلون، والشهداء والصالحون، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والملائكة الأربعة، وحملة العرش، والخزنة، والحور ونحوهم.

والمعنى (١): أي واذكر أيها الرسول لهم هول يوم النفخ في الصور، إذ يفزع من في السموات ومن في الأرض، لما يعتريهم من الرعب حين البعث والنشور، بمشاهدة الأهوال الخارقة للعادة في الأنفس والآفاق، إلا من ثبَّت الله قلبه.

{وَكُلٌّ}؛ أي: جميع الخلائق {أَتَوْهُ} سبحانه وتعالى وحضروه {دَاخِرِينَ}؛ أي: ذليلين صاغرين؛ أي: وكل هؤلاء الفزعين المبعوثين حين النفخة يحضرون الموقف بين يدي رب العزة للسؤال والجواب، والمناقشة والحساب أذلاء صاغرين، لا يتخلف أحد عن أمره، كما قال: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} وقال: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}، وقال: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣)}.

وقرأ الجمهور (٢) {أَتَوْهُ} بضم التاء على صيغة اسم الفاعل مضافًا إلى الضمير الراجع إلى الله تعالى، وقرأ عبد الله وحمزة وحفص عن عاصم والأعمش ويحيى بن وثاب: {أتوه} فعلًا ماضيًا، وفي القراءتين رُوعي معنى كل من الجمع، وقرأ قتادة: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ} فعلًا ماضيًا مسندًا لضمير كل على لفظها، وجمع داخرين على معناها، وقرأ الجمهور: {دَاخِرِينَ} بالألف بعد الدال، وقرأ الحسن والأعمش: {دَخِرِينَ} بغير ألف.

٨٨ - وقوله: {وَتَرَى الجبَالَ} معطوف على {يُنْفَخُ}، داخل معه في حكم التذكير،


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.