والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو لكل من يصلح للرؤية، و {ترى} هنا بصرية لا علمية؛ أي: واذكر يا محمد لقومك هول يوم ترى وتبصر الجبال حال كونك {تَحْسَبُهَا} وتظنها {جَامِدَةً} ثابتة في أماكنها، وقرأ أهل الكوفة:{تَحْسَبُهَا} بفتح السين، وقرأ الباقون بكسرها، {وَهِيَ} أي: والحال أن تلك الجبال {تَمُرُّ} وتمضي {مَرَّ السَّحَابِ} والغيم؛ أي: تراها رأي العين ساكنة، والحال أنها تمر وتمشي مثل مرور السحاب التي تسيِّرها الرياح سيرًا سريعًا، حتى تقع على الأرض فتسوَّى بها، وذلك لأن كل شيء عظيم، وكل جمع كثير يقصر عنه البصر، ولا يحيط به لكثرته وعظمته، فهو في حسبان الناظر واقف، وهو يسير.
وهذا أيضًا (١): مما يقع بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق، فإن الله تعالى يبدل الأرض غير الأرض، ويغئر هيئتها، ويسير الجبال عن مقارِّها على ما ذُكر من الهيئة الهائلة، ليشاهدها أهل المحشر، وهي وإن اندكَّت وتصدعت عند النفخة الأولى فتسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية، كما نطق به قوله تعالى:{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ} فإن صيغة الماضي في المعطوف الذي هو {حشرناهم} مع كون المعطوف عليه مستقبلًا وهو {نُسَيِّرُ} للدلالة على تقدم الحشر على التسيير والرؤية، كأنه قيل: وحشرناهم قبل ذلك، ثم علل إمكان ذلك وسرعة حصوله بقوله:{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}؛ أي: ذلك الصنع العظيم صنع الله الذي أحكم كل شيء، وأودع فيه من الحكمة ما أودع، وانتصاب {صُنْعَ اللَّهِ} على المصدرية عند الخليل وسيبويه وغيرهما بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: صنع الله الذي أتقن كل شيء؛ أي: أحسن خلق كل شيء، وأتى به على وجه الحكمة، ذلك النفخ في الصور، وما تفرَّع منه من الأمور الهائلة صنعًا، أي: صنع ذلك النفخ وما تفرع عليه صنعًا، وفعله فعلًا بديعًا، وهو مصدر مؤكد لمضمون ما قبله؛ أي: فإن نفخ الصور المؤدي إلى الفزع العام، وحضور الكل الموقف، وما فعل بالجبال إنما هو من صنع الله لا يحتمل غيره.