للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والأحسن (١) أن يقال: إن معنى هذا الكلام: فالذين آمنوا قالوا: متى نصر الله؟ ثم رسولهم قال: ألا إن نصر الله قريب.

روى البخاري عن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تنصرنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".

٢١٥ - {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ}؛ أي: ما قدره وما جنسه، والمراد نفقة التطوع، فالآية محكمة لا منسوخة؛ أي: يسألك يا محمَّد أصحابك المؤمنون عن الشيء الذي ينفقونه، هل ينفقون مما تيسر ولو محرمًا، أو يتحرون الحلال؟ وفي الآية حذف سؤال آخر دل عليه الجواب، والتقدير: وعلى من ينفقون، والسؤال عن صدقة التطوع، والسائل عمرو بن الجموح، وكان شيخًا ذا مال، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عما ينفق، وعلى من ينفق؟ وإنما جمع في الآية؛ لأن التكليف لكل مسلم، فكان هذا السائل ترجمانًا عن كل مسلم، وإنما اعتني بذلك السؤال لأن الإنسان يوم القيامة ورد أنه يسأل عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ {قُلْ} لهم يا محمَّد في الجواب {مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ}؛ أي: من مال قليلًا كان أو كثيرًا، وفي هذا: بيان المنفق الذي هو أحد شقي السؤال المذكور في الآية، وأجاب عن المصرف الذي هو الشق الآخر الذي سؤاله مطوي في الآية بقوله: {فَلِلْوَالِدَيْنِ}؛ أي: فمصروف لهما، وإن عَلَيا {و} مصروف لـ {الأقربين} من الأولاد والأخوة والأعمام والعمات، وعطفه على الوالدين من عطف العام على الخاص، وصرح بذكر الوالدين أولًا، وإن دخلا في الأقربين اعتناءً بشأنهما؛ لوجوب حقهما على


(١) المراح.