للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الملأ من قوم نوح، فكلهم أجمعوا على هذا الجواب، فلم يكن أحد منهم مؤمنا، فإن قيل: سيأتي في سورة هود تقييد قوم نوح بالذين كفروا، فالجواب:

أن ما سيأتي في دعائهم إلى الإيمان في أثناء زمن رسالته، فكان فيهم من آمن ومن كفر، وأما ما هنا فهو في أول دعائه لهم.

٦١ - {قالَ} نوح عليه السلام مجيبا لهم: {يا قَوْمِ} ـي، ناداهم بإضافتهم إليه استمالة لقلوبهم نحو الحق {لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ}؛ أي: ليس بي نوع من أنواع الضلالة البتة {وَلكِنِّي رَسُولٌ إليكم مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ}.

والمعنى (١): قال نوح عليه السلام في الجواب لهم: يا قوم لم آمركم بما أمرتكم به من توحيد الله، وإخلاص الطاعة له دون الآلهة والأنداد خروجا مني عن محجة الحق، وضلالا عن سبيل الرشاد، ولكني رسول من رب العالمين إليكم أهديكم باتباعي إلى ما يوصلكم إلى السعادة في دنياكم وآخرتكم، وأنقذكم من الهلاك الأبدي بالشرك بالله والمعاصي المدنسة للأنفس، والمفسدة للأرواح، ومن رحمة ربكم بكم أن لا يدعكم في عمايتكم وشرككم الذي ابتدعتموه بجهلكم حتى يبين لكم الحق من الباطل على يد رسول من لدنه يسلك بكم السبيل السويّ الموصل إلى النجاة. وإنما (٢) قال: {لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ} ولم يقل: ليس بي ضلال؛ لأن نفيها أعم من نفي الضلال؛ لأن ضلالة دالة على واحدة غير معينة، ونفي فرد غير معين نفي عام بخلاف ضلال؛ فإنه مصدر يعم الواحد والتثنية والجمع، ونفيه لا يقتضي على سبيل القطع النفي العام، فكان قوله: {لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ} أبلغ في نفي الضلال عن نفسه من قوله: ليس بي ضلال.

ولكن جاءت هنا أحسن مجيء لأنها بين نقيضين؛ لأن الإنسان لا يخلو من أحد شيئين: ضلال وهدى، والرسالة لا تجامع الضلال. وفي قوله: {مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} تنبيه على أنه ربهم؛ لأنهم من جملة العالم؛ أي: من ربكم المالك


(١) المراغي.
(٢) الفتوحات.